ابن النجار: سمعت عبد العزيز بن عبد الملك الشيباني، سمعت الحافظ عبد الغني، سمعت أبا محمد بن الخشاب النحوي يقول: كنت وأنا شاب أقرأ النحو، وأسمع الناس يصفون حسن كلام الشيخ عبد القادر، فكنت أريد أن أسمعه ولا يتسع وقتي، فأتفق أني حضرت يوما مجلسه، فلما تكلم لم أستحسن كلامه، ولم أفهمه، وقلت في نفسي: ضاع اليوم مني. فالتفت إلى ناحيتي، وقال: ويلك، تفضل النحو على مجالس الذكر، وتختار ذلك؟! اصحبنا نصيرك سيبويه.
قال أحمد بن ظفر بن هبيرة: سألت جدي أن أزور الشيخ عبد القادر، فأعطاني مبلغا من الذهب لأعطيه، فلما نزل عن المنبر سلمت عليه، وتحرجت من دفع الذهب إليه في ذلك الجمع، فقال: هات ما معك ولا عليك من الناس، وسلم على الوزير.
قال صاحب " مرآة الزمان " كان سكوت الشيخ عبد القادر أكثر من كلامه، وكان يتكلم على الخواطر، وظهر له صيت عظيم وقبول تام، وما كان يخرج من مدرسته إلا يوم الجمعة أو إلى الرباط، وتاب على يده معظم أهل بغداد، وأسلم خلق، وكان يصدع بالحق على المنبر، وكان له كرامات ظاهرة.
قلت: ليس في كبار المشايخ من له أحوال وكرامات أكثر من الشيخ عبد القادر، لكن كثيرا منها لا يصح، وفي بعض ذلك أشياء مستحيلة.
قال الجبائي: كان الشيخ عبد القادر يقول: الخلق حجابك عن نفسك، ونفسك حجابك عن ربك.
عاش الشيخ عبد القادر تسعين سنة، وانتقل إلى الله في عاشر ربيع الآخر سنة إحدى وستين وخمسمائة، وشيعه خلق لا يحصون، ودفن بمدرسته -رحمه الله تعالى.
وفيها مات أبو المحاسن إسماعيل بن علي بن زيد بن شهريار الأصبهاني، سمع من رزق الله التميمي، والمحدث العلامة أبو محمد عبد الله بن محمد الأشيري المغربي، ودفن بظاهر بعلبك، والإمام الرئيس أبو طالب عبد الرحمن بن الحسن بن العجمي واقف المدرسة بحلب.