وروى أحمد بن أبي الحواري، عن الهيثم بن جميل، سمعت شريكا يقول: لم يزل لكل قوم حجة في أهل زمانهم، وإن فضيل بن عياض حجة لأهل زمانه، فقام فتى من مجلس الهيثم، فلما توارى، قال الهيثم حجة عاش هذا الفتى يكون حجة لأهل زمانه، قيل: من كان الفتى؟ قال: أحمد بن حنبل.
قال عبد الصمد مردويه الصائغ: قال لي ابن المبارك: إن الفضيل بن عياض صدق الله فأجرى الحكمة على لسانه، فالفضيل ممن نفعه علمه.
وقال أبو بكر عبد الرحمن بن عفان: سمعت ابن المبارك يقول لأبي مريم القاضي: ما بقي في الحجاز أحد من الأبدال إلا فضيل بن عياض، وابنه علي، وعلي مقدم في الخوف، وما بقي أحد في بلاد الشام إلا يوسف بن أسباط، وأبو معاوية الأسود، وما بقي أحد بخراسان إلا شيخ حائك يقال له: معدان.
قال أبو بكر المقاريضي المذكر: سمعت بشر بن الحارث يقول: عشرة ممن كانوا يأكلون الحلال، لا يدخلون بطونهم إلا حلالا ولو استفوا التراب والرماد. قلت: من هم يا أبا نصر؟ قال: سفيان، وإبراهيم بن أدهم، والفضيل بن عياض، وابنه، وسليمان الخواص، ويوسف بن أسباط، وأبو معاوية نجيح الخادم، وحذيفة المرعشي، وداود الطائي، ووهيب بن الورد.
وقال إبراهيم بن الأشعث: ما رأيت أحدا كان الله في صدره أعظم من الفضيل، كان إذا ذكر الله، أو ذكر عنده، أو سمع القرآن ظهر به من الخوف والحزن، وفاضت عيناه، وبكى حتى يرحمه من يحضره، وكان دائم الحزن، شديد الفكرة، ما رأيت رجلا يريد الله بعلمه وعمله، وأخذه وعطائه، ومنعه وبذله، وبغضه وحبه، وخصاله كلها غيره. كنا إذا خرجنا معه في جنازة لا يزال يعظ، ويذكر ويبكي كأنه مودع أصحابه، ذاهب إلى الآخرة، حتى يبلغ المقابر ; فيجلس مكانه بين الموتى من الحزن والبكاء، حتى يقوم وكأنه رجع من الآخرة يخبر عنها.