قال محرز بن عون: أتيت الفضيل بمكة، فقال لي: يا محرز، وأنت أيضا مع أصحاب الحديث، ما فعل القرآن؟ والله لو نزل حرف باليمن لقد كان ينبغي أن نذهب حتى نسمعه، والله لأن تكون راعي الحمر وأنت مقيم على ما يحب الله، خير لك من الطواف وأنت مقيم على ما يكره الله.
المفضل الجندي: حدثنا إسحاق بن إبراهيم الطبري، قال: ما رأيت أحدا أخوف على نفسه، ولا أرجى للناس من الفضيل. كانت قراءته حزينة، شهية، بطيئة، مترسلة، كأنه يخاطب إنسانا، وكان إذا مر بآية فيها ذكر الجنة يردد فيها وسأل، وكانت صلاته بالليل أكثر ذلك قاعدا، يلقى له الحصير في مسجده، فيصلي من أول الليل ساعة، ثم تغلبه عينه، فيلقي نفسه على الحصير، فينام قليلا، ثم يقوم، فإذا غلبه النوم نام، ثم يقوم، هكذا حتى يصبح. وكان دأبه إذا نعس أن ينام، ويقال: أشد العبادة ما كان هكذا.
وكان صحيح الحديث، صدوق اللسان، شديد الهيبة للحديث إذا حدث، وكان يثقل عليه الحديث جدا، وربما قال لي: لو أنك طلبت مني الدنانير كان أيسر علي من أن تطلب مني الحديث. فقلت: لو حدثتني بأحاديث فوائد ليست عندي، كان أحب إلي من أن تهب لي عددها دنانير. قال: إنك مفتون، أما والله لو عملت بما سمعت، لكان لك في ذلك شغل عما لم تسمع، سمعت سليمان بن مهران يقول: إذا كان بين يديك طعام تأكله، فتأخذ اللقمة، فترمي بها خلف ظهرك متى تشبع؟