إلى أن قال: وحاز من الرئاسة في بلده والرفعة ما لم يصل إليه أحد قط من أهل بلده، وما زاده ذلك إلا تواضعا وخشية لله تعالى، وله من المؤلفات الصغار أشياء لم نذكرها.
قال القاضي شمس الدين في " وفيات الأعيان " هو إمام الحديث في وقته، وأعرف الناس بعلومه، وبالنحو واللغة وكلام العرب وأيامهم وأنسابهم.
قال: ومن تصانيفه كتاب " الإكمال في شرح صحيح مسلم " كمل به كتاب " المعلم " للمازري، وكتاب " مشارق الأنوار " في تفسير غريب الحديث، وكتاب " التنبيهات " فيه فوائد وغرائب، وكل تواليفه بديعة وله شعر حسن.
قلت: تواليفه نفيسة، وأجلها وأشرفها كتاب " الشفا " لولا ما قد حشاه بالأحاديث المفتعلة، عمل إمام لا نقد له في فن الحديث ولا ذوق، والله يثيبه على حسن قصده، وينفع ب " شفائه "، وقد فعل، وكذا فيه من التأويلات البعيدة ألوان، ونبينا صلوات الله عليه وسلامه غني بمدحة التنزيل عن الأحاديث، وبما تواتر من الأخبار عن الآحاد، وبالآحاد النظيفة الأسانيد عن الواهيات، فلماذا يا قوم نتشبع بالموضوعات، فيتطرق إلينا مقال ذوي الغل والحسد، ولكن من لا يعلم معذور، فعليك يا أخي بكتاب " دلائل النبوة " للبيهقي فإنه شفاء لما في الصدور وهدى ونور.
وقد حدث عن القاضي خلق من العلماء، منهم الإمام عبد الله بن محمد الأشيري، وأبو جعفر بن القصير الغرناطي، والحافظ خلف بن بشكوال، وأبو محمد بن عبيد الله الحجري، ومحمد بن الحسن الجابري، وولده القاضي محمد بن عياض قاضي دانية.
ومن شعره:
انظر إلى الزرع وخاماته
تحكي وقد ماست أمام الرياح
كتيبة خضراء مهزومة
شقائق النعمان فيها جراح
قال القاضي ابن خلكان شيوخ القاضي يقاربون المائة توفي في سنة أربع وأربعين وخمسمائة في رمضانها، وقيل: في جمادى الآخرة منها بمراكش، ومات ابنه في سنة خمس وسبعين وخمسمائة.