وحدث البحتري قال: اجتمعنا في مجلس المتوكل، فذكر له سيف هندي، فبعث إلى اليمن، فاشتري له بعشرة آلاف، فأعجبه. وقال للفتح: ابغني غلاما أدفع إليه هذا السيف لا يفارقني به، فأقبل باغر، فقال الفتح بن خاقان: هذا موصوف بالشجاعة والبسالة، فأعطاه السيف، وزاد في أرزاقه. فما انتضى السيف إلا ليلة، ضربه به باغر، فلقد رأيت من المتوكل في ليلته عجبا، رأيته يذم الكبر، ويتبرأ منه. ثم سجد وعفر وجهه، ونثر التراب على رأسه، وقال: إنما أنا عبد، فتطيرت له، ثم جلس، وعمل فيه النبيذ، وغني صوتا أعجبه، فبكى، فتطيرت من بكائه. فإنا في ذلك إذ بعثت له قبيحة خلعة استعملها دراعة حمراء من خز ومطرف خز، فلبسهما، ثم تحرك في المطرف، فانشق، فلفه، وقال: اذهبوا به ليكون كفني. فقلت: إنا لله، انقضت والله المدة. وسكر المتوكل سكرا شديدا. ومضى من الليل إذ أقبل باغر في عشرة متلثمين تبرق أسيافهم، فهجموا علينا، وقصدوا المتوكل، وصعد باغر وآخر إلى السرير، فصاح الفتح: ويلكم مولاكم. وتهارب الغلمان والجلساء والندماء، وبقي الفتح، فما رأيت أحدا أقوى نفسا منه، بقي يمانعهم، فسمعت صيحة المتوكل إذ ضربه باغر بالسيف المذكور على عاتقه، فقده إلى خاصرته، وبعج آخر الفتح بسيفه، فأخرجه من ظهره، وهو صابر لا يزول، ثم طرح نفسه على المتوكل، فماتا، فلفا في بساط، ثم دفنا معا. وكان بغا الصغير استوحش من المتوكل لكلام، وكان المنتصر يتألف الأتراك، لا سيما من يبعده أبوه.
قال المسعودي: ونقل في مقتله غير ذلك. قال: وقد أنفق المتوكل فيما قيل على الجوسق والجعفري والهاروني أكثر من مائتي ألف ألف درهم.