للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال ابن لبابة الحافظ: كان بقي من عقلاء الناس وأفاضلهم، وكان أسلم بن عبد العزيز يقدمه على جميع من لقيه بالمشرق، ويصف زهده، ويقول: ربما كنت أمشي معه في أزقة قرطبة، فإذا نظر في موضع خال إلى ضعيف محتاج أعطاه أحد ثوبيه.

وذكر أبو عبيدة صاحب القبلة قال: كان بقي يختم القرآن كل ليلة، في ثلاث عشرة ركعة، وكان يصلي بالنهار مائة ركعة، ويصوم الدهر.

وكان كثير الجهاد، فاضلا، يذكر عنه أنه رابط اثنتين وسبعين غزوة.

ونقل بعض العلماء من كتاب لحفيد بقي عبد الرحمن بن أحمد: سمعت أبي يقول: رحل أبي من مكة إلى بغداد، وكان رجلا بغيته ملاقاة أحمد بن حنبل. قال: فلما قربت بلغتني المحنة، وأنه ممنوع، فاغتممت غما شديدا، فاحتللت بغداد، واكتريت بيتا في فندق، ثم أتيت الجامع وأنا أريد أن أجلس إلى الناس، فدفعت إلى حلقة نبيلة، فإذا برجل يتكلم في الرجال، فقيل لي: هذا يحيى بن معين. ففرجت لى فرجة، فقمت إليه، فقلت: يا أبا زكريا: -رحمك الله- رجل غريب ناء عن وطنه، يحب السؤال، فلا تستجفني، فقال: قل. فسألت عن بعض من لقيته، فبعضا زكى، وبعضا جرح، فسألته عن هشام بن عمار، فقال لي: أبو الوليد، صاحب صلاة دمشق، ثقة، وفوق الثقة، لو كان تحت ردائه كبر، أو متقلدا كبرا، ما ضره شيئا لخيره وفضله، فصاح أصحاب الحلقة: يكفيك -رحمك الله- غيرك له سؤال.

فقلت -وأنا واقف على قدم: اكشف عن رجل واحد: أحمد بن حنبل، فنظر إلي كالمتعجب، فقال لي: ومثلنا، نحن نكشف عن أحمد؟! ذاك إمام المسلمين، وخيرهم وفاضلهم. فخرجت أستدل على منزل أحمد بن حنبل، فدللت عليه، فقرعت بابه، فخرج إلي.