الحد لم يلزمه المهر، وكالقاتل إذا وجب عليه القود لم يلزمه ضمان المال، كذلك المحاربون إذا وجب عليهم الحد سقطت حقوق الآدميين، فإذا سقط الحد عن المحارب وجب ضمان ما تناوله من مال أو نفس كالسارق إذا أدرئ عنه الحد وجب عليه ضمان المال، وكالزاني إذا سقط عنه الحد لزمه.
واختلف في الموضع الذي يكون به محاربا، فقال أبو حنيفة: من قطع الطريق في المصر ليلا أو نهارا أو بين الحيرة والكوفة ليلا أو نهارا فلا يكون قاطعا للطريق إلا في الصحاري، وحكى أصحاب الإملاء عن أبي يوسف: أن الأمصار وغيرها سواء، وهم المحاربون يقام حدهم، وروي عن أبي يوسف في اللصوص الذين يكبسون الناس ليلا في دورهم في المصر: أنهم بمنزلة قطاع الطريق، يجري عليهم أحكامهم. وحكي عن مالك: أنه لا يكون محاربا حتى يقطع على ثلاثة أميال من القرية، وذكر عنه أيضا قال: المحاربة أن يقاتلوا على طلب المال من غير ثائرة، ولم يفرق ههنا بين المصر وغيره. وقال الشافعي قطاع الطريق الذين يعرضون بالسلاح للقوم حتى يغصبوهم المال، والصحاري والمصر واحد. وقال الثوري: لا يكون محاربا بالكوفة حتى يكون خارجا منها.
قال أبو بكر: روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «لا قطع على خائن، ولا مختلس (١)»، فنفى - عليه السلام - القطع عن المختلس، والمختلس هو الذي يختلس الشيء، وهو غير ممتنع فوجب بذلك اعتبار المنعة من المحاربين، وأنهم متى كانوا في موضع لا يمكنهم أن يمتنعوا، وقد يلحق من قصدوه الغوث من قبل المسلمين أن لا يكونوا محاربين، وأن يكونوا بمنزلة المختلس والمنتهب؛ كالرجل الواحد إذا فعل ذلك في المصر، فيكون مختلسا غاصبا لا يجري عليه أحكام قطاع الطريق، وإذا كانت جماعة ممتنعة في الصحراء فهؤلاء يمكنهم أخذ أموال السابلة قبل أن يلحقهم الغوث فباينوا بذلك المختلس ومن ليس له امتناع في أحكامهم، ولو وجب أن يستوي حكم المصر وغيره لوجب استواء حكم الرجل الواحد والجماعة، ومعلوم أن الرجل الواحد لا يكون محاربا في المصر لعدم الامتناع منه، فكذلك ينبغي أن يكون حكم الجماعة في المصر لفقد الامتناع منهم على أهل المصر، وأما إذا كانوا في الصحراء فهم ممتنعون غير مقدور عليهم إلا بالطلب والقتال؛ فلذلك اختلف حكمهم وحكم من في مصر.
فإن قال قائل: إن كان الاعتبار بما ذكرت فواجب أن يكون العشرة من اللصوص إذا اعترضوا قافلة فيها ألف رجل غير محاربين إذ قد يمكنهم الامتناع عليهم. قيل له: صاروا محاربين بالامتناع والخروج، سواء قصدوا القافلة أو لم يقصدوها، فلا يزول عنهم هذا الحكم بعد ذلك بكون القافلة
(١) سنن الترمذي الحدود (١٤٤٨)، سنن النسائي قطع السارق (٤٩٧١)، سنن أبو داود الحدود (٤٣٩١)، سنن ابن ماجه الحدود (٢٥٩١)، مسند أحمد بن حنبل (٣/ ٣٨٠)، سنن الدارمي الحدود (٢٣١٠).