للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قلنا: ذلك ممكن لأن الحربي إذا قطع الأيدي وسمل الأعين فعل به مثل ذلك إذا تعين فاعل ذلك.

فإن. قيل: لم يكن هؤلاء حربيين، وإنما كانوا مرتدين والمرتد يلزم استتابته، وعند إصراره على الكفر يقتل.

قلنا: فيه روايتان: إحداهما أنه يستتاب والأخرى لا يستتاب.

وقد اختلف العلماء على القولين، فقيل: لا يستتاب؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قتل هؤلاء ولم يستتبهم.

وقيل: يستتاب المرتد، وهو مشهور المذهب، وإنما ترك النبي - صلى الله عليه وسلم - استتابة هؤلاء لما أحدثوا من القتل والمثلة والحرب، وإنما يستتاب المرتد الذي يرتاب فيستريب، ويرشد ويبين له الشكل، وتجلى له الشبهة.

فإن قيل: فكيف يقال: إن هذه الآية تناولت المسلمين وقد قال: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} (١) وتلك صفة الكفار؟.

قلنا: الحرابة تكون بالاعتقاد الفاسد، وقد تكون بالمعصية؛ فيجازى بمثلها، وقد قال تعالى: {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} (٢).

فإن قيل: ذلك فيمن يستحل الربا.

قلنا: نعم، وفيمن فعله فقد اتفقت الأمة على أن من يفعل المعصية يحارب كما لو اتفق أهل بلد على العمل بالربا، وعلى ترك الجمعة والجماعة.

المسألة الرابعة - في تحقيق المحاربة:

وهي إشهار السلاح قصد السلب مأخوذ من الحرب، وهو استلاب ما على المسلم بإظهار السلاح عليه، والمسلمون أولياء الله بقوله تعالى: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} (٣) {الَّذِينَ آمَنُوا} (٤).

وقد شرح ذلك مالك شرحا بالغا فيما رواه ابن وهب عنه: قال ابن وهب: قال مالك: المحارب الذي يقطع السبيل وينفر بالناس في كل مكان. ويظهر الفساد في الأرض وإن لم يقتل أحدا إذا ظهر عليه يقتل، وإن لم يقتل فللإمام أن يرى فيه رأيه بالقتل أو الصلب أو القطع أو النفي، قال مالك: والمستتر في ذلك والمعلن بحرابته سواء. وإن استخفى بذلك وظهر في الناس إذا أراد الأموال وأخاف


(١) سورة المائدة الآية ٣٣
(٢) سورة البقرة الآية ٢٧٩
(٣) سورة يونس الآية ٦٢
(٤) سورة يونس الآية ٦٣