وبكل حال، فلهم أشياء أحسنوا فيها، ولهم مسائل مستهجنة، يشغب عليهم بها، وإلى ذلك يشير الإمام أبو عمرو ابن الصلاح، حيث يقول: الذي اختاره الأستاذ أبو منصور، وذكر أنه الصحيح من المذهب، أنه يعتبر خلاف داود. ثم قال ابن الصلاح: وهذا الذي استقر عليه الأمر آخرا، كما هو الأغلب الأعرف من صفو الأئمة المتأخرين، الذين أوردوا مذهب داود في مصنفاتهم المشهورة، كالشيخ أبي حامد الإسفراييني، والماوردي، والقاضي أبي الطيب، فلولا اعتدادهم به لما ذكروا مذهبه في مصنفاتهم المشهورة.
قال: وأرى أن يعتبر قوله إلا فيما خالف فيه القياس الجلي، وما أجمع عليه القياسيون من أنواعه، أو بناه على أصوله التي قام الدليل القاطع على بطلانها، فاتفاق من سواه إجماع منعقد، كقوله في التغوط في الماء الراكد وتلك المسائل الشنيعة، وقوله: لا ربا إلا في الستة المنصوص عليها فخلافه في هذا أو نحوه غير معتد به، لأنه مبني على ما يقطع ببطلانه.
قلت: لا ريب أن كل مسألة انفرد بها، وقطع ببطلان قوله فيها، فإنها هدر، وإنما نحكيها للتعجب، وكل مسألة له عضدها نص، وسبقه إليها صاحب أو تابع، فهي من مسائل الخلاف، فلا تهدر.
وفي الجملة، فداود بن علي بصير بالفقه، عالم بالقرآن، حافظ للأثر، رأس في معرفة الخلاف، من أوعية العلم، له ذكاء خارق، وفيه دين متين. وكذلك في فقهاء الظاهرية جماعة لهم علم باهر، وذكاء قوي، فالكمال عزيز، والله الموفق.
ونحن: فنحكي قول ابن عباس في المتعة وفي الصرف وفي إنكار العول وقول طائفة من الصحابة في ترك الغسل من الإيلاج وأشباه ذلك، ولا نجوز لأحد تقليدهم في ذلك.
قال ابن كامل: مات داود في شهر رمضان سنة سبعين ومائتين.