هذا حديث صالح الإسناد، لكنه فيه انقطاع ; لأن طلحة بن عبد الله بن عوف لم يسمعه من سعيد. رواه مالك، ويونس، وجماعة، عن الزهري فأدخلوا بين طلحة وسعيد: عبد الرحمن بن عمرو بن سهل الأنصاري. أخرجه البخاري عن أبي اليمان، عن شعيب، عن الزهري.
كان والده زيد بن عمرو ممن فر إلى الله من عبادة الأصنام، وساح في أرض الشام يتطلب الدين القيم، فرأى النصارى واليهود، فكره دينهم، وقال: اللهم إني على دين إبراهيم ولكن لم يظفر بشريعة إبراهيم - عليه السلام - كما ينبغي، ولا رأى من يوقفه عليها، وهو من أهل النجاة، فقد شهد له النبي - صلى الله عليه وسلم - بأنه يبعث أمة وحده وهو ابن عم الإمام عمر بن الخطاب، رأى النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولم يعش حتى بعث.
فنقل يونس بن بكير، وهو من أوعية العلم بالسير، عن محمد بن إسحاق قال: قد كان نفر من قريش: زيد بن عمرو بن نفيل، وورقة بن نوفل، وعثمان بن الحارث بن أسد، وعبيد الله بن جحش، وأميمة ابنة عبد المطلب حضروا قريشا عند وثن لهم، كانوا يذبحون عنده لعيد من أعيادهم، فلما اجتمعوا، خلا أولئك النفر بعضهم إلى بعض، وقالوا: تصادقوا وتكاتموا، فقال قائلهم: تعلمن والله ما قومكم على شيء، لقد أخطئوا دين إبراهيم وخالفوه، فما وثن يعبد لا يضر ولا ينفع، فابتغوا لأنفسكم.
قال: فخرجوا يطلبون ويسيرون في الأرض، يلتمسون أهل كتاب من اليهود والنصارى والملل كلها يتطلبون الحنيفية، فأما ورقة فتنصر، واستحكم في النصرانية، وحصل الكتب، وعلم علما كثيرا، ولم يكن فيهم أعدل شأنا من زيد ; اعتزل الأوثان والملل إلا دين إبراهيم، يوحد الله - تعالى - ولا يأكل من ذبائح قومه، وكان الخطاب عمه قد آذاه، فنزح عنه إلى أعلى مكة، فنزل حراء، فوكل به الخطاب شبابا سفهاء لا يدعونه يدخل مكة، فكان لا يدخلها إلا سرا.