ثم في سنة تسع وسبعين نازل حلب، وأخذها، وعوض عنها عماد الدين زنكي بسنجار وسروج، ورتب بحلب ولده الملك الظاهر. ثم حاصر الكرك، وجاءت إمدادات الفرنج.
وفي شعبان سنة إحدى وثمانين نازل صلاح الدين الموصل، وترددت الرسل بينه وبين صاحبها عز الدين، وتمرض، وتأخر إلى حران، واشتد مرضه، وحلفوا لأولاده بأمره وأوصى عليهم أخاه العادل ثم مر بحمص، وقد مات صاحبها ناصر الدين محمد ابن عمه، فأعطاها لولده المجاهد شيركوه وله ثنتا عشرة سنة.
وفي سنة ثلاث وثمانين افتتح صلاح الدين بلاد الفرنج، وقهرهم، وأباد خضراءهم، وأسر ملوكهم على " حطين ". وكان قد نذر أن يقتل أرناط صاحب الكرك، فأسره يومئذ، كان قد مر به قوم من مصر في حال الهدنة، فغدر بهم، فناشدوه الصلح، فقال ما فيه استخفاف بالنبي -صلى الله عليه وسلم- وقتلهم، فاستحضر صلاح الدين الملوك، ثم ناول الملك جفري شربة جلاب ثلج، فشرب، فناول أرناط، فشرب، فقال السلطان للترجمان: قل لجفري: أنت الذي سقيته، وإلا أنا فما سقيته، ثم استحضر البرنس أرناط في مجلس آخر، وقال: أنا أنتصر لمحمد -صلى الله عليه وسلم- منك، ثم عرض عليه الإسلام، فأبى، فحل كتفه بالنيمجاه. وافتتح عامه ما لم يفتحه ملك، وطار صيته في الدنيا، وهابته الملوك.
ثم وقع النوح والمأتم في جزائر البحر وإلى رومية، ونودي بالنفير إلى نصرة الصليب، فأتى السلطان من عساكر الفرنج ما لا قبل له به، وأحاطوا بعكا.