لا ريب أن ابن لهيعة كان عالم الديار المصرية هو والليث معا، كما كان الإمام مالك في ذلك العصر عالم المدينة، والأوزاعي عالم الشام، ومعمر عالم اليمن، وشعبة والثوري عالما العراق، وإبراهيم بن طهمان عالم خراسان، ولكن ابن لهيعة تهاون بالإتقان، وروى مناكير، فانحط عن رتبة الاحتجاج به عندهم.
وبعض الحفاظ يروي حديثه، ويذكره في الشواهد، والاعتبارات، والزهد والملاحم لا في الأصول.
وبعضهم يبالغ في وهنه، ولا ينبغي إهداره، وتتجنب تلك المناكير، فإنه عدل في نفسه.
وقد ولي قضاء الإقليم في دولة المنصور دون السنة، وصرف. أعرض أصحاب الصحاح عن رواياته، وأخرج له أبو داود، والترمذي، والقزويني. وما رواه عنه ابن وهب، والمقرئ، والقدماء، فهو أجود. وقع لي من عوالي حديثه.
وكان يحيى بن سعيد القطان لا يراه شيئا. قاله علي بن المديني، ثم قال علي: سمعت عبد الرحمن بن مهدي، وقيل له: تحمل عن عبد الله بن يزيد القصير عن ابن لهيعة؟ فقال: لا أحمل عن ابن لهيعة قليلا ولا كثيرا، ثم قال عبد الرحمن: كتب إلي ابن لهيعة كتابا فيه: حدثنا عمرو بن شعيب، فقرأته على ابن المبارك، فأخرج إلي ابن المبارك من كتابه عن ابن لهيعة، قال: أخبرني إسحاق بن أبي فروة، عن عمرو بن شعيب.
وقال نعيم بن حماد: سمعت ابن مهدي يقول: ما أعتد بشيء سمعت من حديث ابن لهيعة إلا سماع ابن المبارك ونحوه.
وقال أحمد بن حنبل: كان ابن لهيعة كتب عن المثنى بن الصباح، عن عمرو بن شعيب، وكان بعد يحدث بها عن عمرو نفسه. وكان الليث أكبر منه بسنتين.