للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الخطاب - رضي الله عنه - قتل ربيئة المحاربين، والربيئة هو الناظر الذي يجلس على مكان عال ينظر منه لهم من يجيء، ولأن المباشر إنما تمكن من قتله بقوة الردء ومعونته.

والطائفة إذا انتصر بعضها ببعض حتى صاروا ممتنعين فهم مشتركون في الثواب والعقاب كالمجاهدين، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «المسلمون تتكافأ دماؤهم، ويسعى بذمتهم أدناهم، وهم يد على من سواهم، ويرد متسريهم على قاعدهم (١)»، يعني أن جيش المسلمين إذا تسرت منه سرية فغنمت مالا، فإن الجيش يشاركها فيما غنمت؛ لأنها بظهره وقوته تمكنت لكن تنفل عنه نفلا. فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - «كان ينفل السرية إذا كانوا في بدايتهم الربع بعد الخمس، فإذا رجعوا إلى أوطانهم وتسرت سرية نفلهم الثلث بعد الخمس (٢)»، وكذلك لو غنم الجيش غنيمة شاركته السرية؛ لأنها في مصلحة الجيش كما قسم النبي - صلى الله عليه وسلم - والزبير يوم بدر، لأنه كان قد بعثهما في مصلحة الجيش، فأعوان الطائفة الممتنعة وأنصارها منها، فيما لهم وعليهم.

وهكذا المقتتلون على باطل لا تأويل فيه: مثل المقتتلين على عصبية ودعوى جاهلية كقيس ويمن ونحوهما، هما ظالمتان، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار، قيل: يا رسول الله، هذا القاتل. فما بال المقتول؟ قال: إنه أراد قتل صاحبه (٣)»، أخرجاه في الصحيحين، وتضمن كل طائفة ما أتلفته للأخرى من نفس ومال. وإن لم يعرف عين القائل؛ لأن الطائفة الواحدة الممتنع بعضها ببعض كالشخص الواحد. وفي ذلك قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} (٤).

وأما إذا أخذوا المال فقط ولم يقتلوا - كما قد يفعله الأعراب كثيرا -؛ فإنه يقطع من كل واحد يده اليمنى ورجله اليسرى عند أكثر العلماء كأبي حنيفة وأحمد وغيرهم، وهذا معنى قول الله تعالى: {أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ} (٥) تقطع اليد التي يبطش بها، والرجل التي يمشي عليها، وتحسم يده ورجله بالزيت المغلي ونحوه لينحسم الدم فلا يخرج فيفضي إلى تلفه، وكذلك تحسم يد السارق بالزيت.


(١) رواه ابن ماجه، في كتاب الديات (باب المسلمون تتكافأ دماؤهم) ورواه غيره بغير هذا اللفظ
(٢) سنن أبو داود الجهاد (٢٧٤٩)، سنن ابن ماجه الجهاد (٢٨٥٣)، مسند أحمد بن حنبل (٤/ ١٦٠).
(٣) صحيح البخاري الإيمان (٣١)، صحيح مسلم الفتن وأشراط الساعة (٢٨٨٨)، سنن النسائي تحريم الدم (٤١٢٢)، سنن أبو داود الفتن والملاحم (٤٢٦٨)، سنن ابن ماجه الفتن (٣٩٦٥)، مسند أحمد بن حنبل (٥/ ٥١).
(٤) سورة البقرة الآية ١٧٨
(٥) سورة المائدة الآية ٣٣