للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إلى أن قال: ونهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- الناس عن كلامنا أيها الثلاثة. فجعلت أخرج إلى السوق، فلا يكلمني أحد، وتنكر لنا الناس، حتى ما هم بالذين نعرف، وتنكرت لنا الحيطان والأرض. وكنت أطوف، وآتي المسجد، فأدخل، وآتي النبي - صلى الله عليه وسلم- فأسلم عليه، فأقول: هل حرك شفتيه بالسلام!

واستكان صاحباي فجعلا يبكيان الليل والنهار لا يطلعان رءوسهما، فبينا أنا أطوف في السوق إذا بنصراني جاء بطعام، يقول: من يدل على كعب؟ فدلوه علي، فأتاني بصحيفة من ملك غسان. فإذا فيها: أما بعد: فإنه بلغني أن صاحبك قد جفاك وأقصاك ; ولست بدار مضيعة ولا هوان، فالحق بنا نواسك. فسجرت لها التنور، وأحرقتها.

إلى أن قال: إذ سمعت نداء من ذروة سلع أبشر يا كعب بن مالك. فخررت ساجدا. ثم جاء رجل على فرس يبشرني، فكان الصوت أسرع من فرسه، فأعطيته ثوبي بشارة، ولبست غيرهما.

ونزلت توبتنا على النبي - صلى الله عليه وسلم- ثلث الليل. فقالت أم سلمة: يا نبي الله، ألا نبشر كعبا؟ قال: إذا يحطمكم الناس، ويمنعونكم النوم.

قال: فانطلقت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم- فإذا هو جالس في المسجد وحوله المسلمون، وهو يستنير كاستنارة القمر، فقال: أبشر يا كعب بخير يوم أتى عليك. ثم تلا عليهم: لقد تاب الله على النبي الآيات.

وفينا نزلت أيضا: اتقوا الله وكونوا مع الصادقين.

فقلت: يا نبي الله، إن من توبتي ألا أحدث إلا صدقا، وأن أنخلع من مالي كله صدقة. فقال: أمسك عليك بعض مالك، فهو خير لك. . . الحديث.

وفي لفظ: فقام إلي طلحة يهرول، حتى صافحني وهنأني. فكان لا ينساها لطلحة.