ولما تمادى في سيره في الأندلس، أتى أرضا تميد بأهلها، فقال عسكره: إلى أين تريد أن تذهب بنا؟ حسبنا ما بأيدينا. فقال: لو أطعتموني لوصلت إلى القسطنطينية، ثم رجع إلى المغرب وهو راكب على بغله كوكب، وهو يجر الدنيا بين يديه، أمر بالعجل تجر أوقار الذهب والحرير، واستخلف ابنه بإفريقية، وأخذ معه مائة من كبراء البربر، ومائة وعشرين من الملوك وأولادهم، فقدم مصر في هيئة ما سمع بمثلها، فوصل العلماء والأشراف، وسار إلى الشام، فبلغه مرض الوليد، وكتب إليه سليمان يأمره بالتوقف، فما سمع منه، فآلى سليمان إن ظفر به ليصلبنه. وقدم قبل موت الوليد، فأخذ ما لا يحد من النفائس، ووضع باقيه في بيت المال، وقومت المائدة بمائة ألف دينار.
وولي سليمان فأهانه، ووقف في الحر - وكان سمينا - حتى غشي عليه.
وبقي عمر بن عبد العزيز يتألم له، فقال سليمان: لا يا أبا حفص ما أظن إلا أنني خرجت من يميني.
وضمه يزيد بن المهلب إليه، ثم فدى نفسه ببذل ألف ألف دينار، وقيل له: أنت في خلق من مواليك وجندك، أفلا أقمت في مقر عزك، وبعثت بالتقادم. قال: لو أردت لصار ; ولكن آثرت الله ولم أر الخروج. فقال له يزيد: وكلنا ذاك الرجل - أراد بهذا قدومه على الحجاج.
وقال له سليمان يوما: ما كنت تفزع إليه عند الحرب؟ قال: الدعاء والصبر. قال: فأي الخيل رأيت أصبر؟ قال: الشقر. قال: فأي الأمم أشد قتالا؟ قال: هم أكثر من أن أصف. قال: فأخبرني عن الروم. قال: أسد في حصونهم، عقبان على خيولهم، نساء في مراكبهم، إن رأوا فرصة انتهزوها، وإن رأوا غلبة فأوعال تذهب في الجبال، لا يرون الهزيمة عارا.