للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وبنى دار العدل، وأنصف الرعية، ووقف على الضعفاء والأيتام والمجاورين، وأمر بتكميل سور المدينة النبوية، واستخراج العين بأحد دفنها السيل، وفتح درب الحجاز، وعمر الخوانق والربط والجسور والخانات بدمشق وغيرها. وكذا فعل إذ ملك حران وسنجار والرها والرقة ومنبج وشيزر وحمص وحماة وصرخد وبعلبك وتدمر. ووقف كتبا كثيرة مثمنة، وكسر الفرنج والأرمن على حارم، وكانوا ثلاثين ألفا، فقل من نجا، وعلى بانياس.

وكانت الفرنج قد استضرت على دمشق، وجعلوا عليها قطيعة، وأتاه أمير الجيوش شاور مستجيرا به، فأكرمه، وبعث معه جيشا ليرد إلى منصبه، فانتصر، لكنه تخابث وتلاءم، ثم استنجد بالفرنج، ثم جهز نور الدين -رحمه الله- جيشا لجبا مع نائبه أسد الدين شيركوه، فافتتح مصر، وقهر دولتها الرافضية، وهربت منه الفرنج، وقتل شاور، وصفت الديار المصرية لشيركوه نائب نور الدين، ثم لصلاح الدين، فأباد العبيديين، واستأصلهم، وأقام الدعوة العباسية.

وكان نور الدين مليح الخط، كثير المطالعة، يصلي في جماعة، ويصوم، ويتلو ويسبح، ويتحرى في القوت، ويتجنب الكبر، ويتشبه بالعلماء والأخيار، ذكر هذا ونحوه الحافظ ابن عساكر، ثم قال: روى الحديث، وأسمعه بالإجازة، وكان من رآه شاهد من جلال السلطنة وهيبة الملك ما يبهره، فإذا فاوضه، رأى من لطافته وتواضعه ما يحيره.

حكى من صحبه حضرا وسفرا أنه ما سمع منه كلمة فحش في رضاه ولا في ضجره، وكان يواخي الصالحين، ويزورهم، وإذا احتلم مماليكه أعتقهم، وزوجهم بجواريه، ومتى تشكوا من ولاته عزلهم، وغالب ما تملكه من البلدان تسلمه بالأمان، وكان كلما أخذ مدينة، أسقط عن رعيته قسطا.