قال له القطب النيسابوري بالله لا تخاطر بنفسك، فإن أصبت في معركة لا يبقى للمسلمين أحد إلا أخذه السيف، فقال: ومن محمود حتى يقال هذا؟! حفظ الله البلاد قبلي لا إله إلا هو.
قلت: كان دينا تقيا، لا يرى بذل الأموال إلا في نفع، وما للشعراء عنده نفاق، وفيه يقول أسامة:
سلطاننا زاهد والناس قد زهدوا
له فكل على الخيرات منكمش
أيامه مثل شهر الصوم طاهرة
من المعاصي وفيها الجوع والعطش
قال مجد الدين ابن الأثير في نقل سبط الجوزي عنه: لم يلبس نور الدين حريرا ولا ذهبا، ومنع من بيع الخمر في بلاده -قلت: قد لبس خلعة الخليفة والطوق الذهب- قال: وكان كثير الصوم، وله أوراد في الليل والنهار، ويكثر اللعب بالكرة، فأنكر عليه فقير، فكتب إليه: والله ما أقصد اللعب، وإنما نحن في ثغر، فربما وقع الصوت، فتكون الخيل قد أدمنت على الانعطاف والكر والفر. وأهديت له عمامة من مصر مذهبة، فأعطاها لابن حمويه شيخ الصوفية، فبيعت بألف دينار.
قال وجاءه رجل طلبه إلى الشرع، فجاء معه إلى مجلس كمال الدين الشهرزوري، وتقدمه الحاجب يقول للقاضي: قد قال لك: اسلك معه ما تسلك مع آحاد الناس. فلما حضر سوى بينه وبين خصمه، وتحاكما، فلم يثبت للرجل عليه حق، وكان ملكا، ثم قال السلطان: فاشهدوا أني قد وهبته له.
وكان يعقد في دار العدل في الجمعة أربعة أيام، ويأمر بإزالة الحاجب والبوابين، وإذا حضرت الحرب شد قوسين وتركاشين وكان لا يكل الجند إلى الأمراء، بل يباشر عددهم وخيولهم، وأسر إفرنجيا، فافتك نفسه منه بثلاثمائة ألف دينار، فعند وصوله إلى مأمنه مات، فبنى بالمال المارستان والمدرسة.