وقال عبد الرحمن بن خراش: بلغني أن مالكا نقم على هشام بن عروة حديثه لأهل العراق، وكان لا يرضاه، ثم قال: قدم الكوفة ثلاث مرات، قدمة كان يقول فيها: حدثني أبي قال: سمعت عائشة. والثانية، فكان يقول: أخبرني أبي عن عائشة. وقدم الثالثة فكان يقول: أبي عن عائشة، يعني يرسل عن أبيه.
قلت: الرجل حجة مطلقا، ولا عبرة بما قاله الحافظ أبو الحسن بن القطان من أنه هو وسهيل بن أبي صالح، اختلطا وتغيرا، فإن الحافظ قد يتغير حفظه إذا كبر، وتنقص حدة ذهنه، فليس هو في شيخوخته، كهو في شبيبته. وما ثم أحد بمعصوم من السهو والنسيان، وما هذا التغير بضار أصلا، وإنما الذي يضر الاختلاط، وهشام فلم يختلط قط، هذا أمر مقطوع به، وحديثه محتج به في " الموطأ " والصحاح، " والسنن " فقول ابن القطان: " إنه اختلط " قول مردود، مرذول. فأرني إماما من الكبار سلم من الخطأ والوهم.
فهذا شعبة، وهو في الذروة، له أوهام، وكذلك معمر، والأوزاعي، ومالك -رحمة الله عليهم.
أخبرنا أحمد بن سلامة في كتابه عن خليل بن أبي الرجاء، وأنبأنا محمد بن سليمان، وعبد المحسن بن محمد، وإسماعيل بن صالح، وجماعة قالوا: أنبأنا يوسف بن خليل، أنبأنا خليل بن بدر، أنبأنا أبو علي الحداد، أنبأنا أبو نعيم الحافظ، أنبأنا أبو بكر بن يوسف، حدثنا الحارث بن محمد بن أبي أسامة، حدثنا محمد بن عبد الله بن كناسة، حدثنا هشام بن عروة، عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو بن العاص، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال إن الله لا يقبض العلم بأن ينتزعه انتزاعا، ولكن يقبضه بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالما، اتخذ الناس رءوسا جهالا، فسئلوا فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا.