وعلى الرغم من أن الإسلام دخل شمالي السودان بطرق سلمية منذ أن فتحت الجيوش الإسلامية أرض مصر إلا أن تحول شمالي السودان إلى الحضارة والثقافة العربية الإسلامية لم يتم بصورة شاملة إلا بحلول القرن السابع الهجري الثالث عشر الميلادي، وقد تأسست في السودان ممالك إسلامية قوية في وسط البلاد وغربها كان من أهمها سلطنة الفونج (٩١٠ - ١٢٣٧هـ، ١٥٠٤ - ١٨٢١م) وكانت عاصمتها سنار على بعد ٢٥٠كم جنوبي الخرطوم، وبعد سقوط هذه السلطنة هيمنت القوات المصرية التركية على البلاد فيما يعرف بالحكم التركي (١٢٣٧ - ١٣٠٣هـ، ١٨٢١ - ١٨٨٥م)، ونتيجة لاستبداد وظلم الحكام الجدد تولدت الثورة المهدية (١٨٨٥ - ١٨٩٨م) وهي حركة دينية بقيادة محمد أحمد المهدي الذي استطاع مع أتباعه من الأنصار محاصرة الخرطوم ثم فتح المدينة وتحريرها من قبضة الجنرال غوردون الحاكم البريطاني معلنا بذلك تأسيس الدولة المهدية (١٨٨٥ - ١٨٩٨م) على هدي من الشريعة الإسلامية، وبما أن هذا الوضع أزعج القوى الاستعمارية آنذاك، وهو نفس الوقت الذي تكالبت فيه القوى الأوربية الاستعمارية على توزيع القارة الإفريقية إلى مناطق نفوذ، فقد عزمت بريطانيا بمساعدة الجيوش المصرية على غزو السودان والسيطرة عليه مرة أخرى، ودخلت الجيوش الغازية بقيادة اللورد هيربرت كتشنر السودان عام ١٣١٥هـ - ١٨٩٨م، وفي هذه الفترة عمد المستعمر إلى فصل جنوبي البلاد عن شماليها، كما قام الحكام البريطانيون بزرع الفتنة والبغضاء وتأجيجها بين أبناء السودان، وكان من ثمارها حركات التمرد التي اندلعت في جنوبي السودان قبيل الاستقلال عام ١٩٥٥م وحتى وقتنا الحاضر.