للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وهذا لا يظن به قاله البيهقي، واستدل الطحاوي لضعف حديث أبي ساسان بما تقدم ذكره من قول علي: أنه إذا سكر هذى إلخ.

قال: فلما اعتمد علي في ذلك على ضرب المثل، واستخرج الحد بطريق الاستنباط، دل على أنه لا توقيف عنده من الشارع في ذلك، فيكون جزمه بأن النبي صلى الله عليه وسلم جلد أربعين غلطا من الراوي؛ إذ لو كان عنده الحديث المرفوع لم يعدل عنه إلى القياس، ولو كان عند من بحضرته من الصحابة كعمر وسائر من ذكر في ذلك شيء مرفوع لأنكروا عليه، وتعقب بأنه إنما يتجه الإنكار لو كان المنزع واحدا، فأما مع الاختلاف فلا يتجه الإنكار، وبيان ذلك أن في سياق القصة ما يقتضي أنهم كانوا يعرفون أن الحد أربعون، وإنما تشاوروا في أمر يحصل به الارتداع، يزيد على ما كان مقررا.

ويشير إلى ذلك ما وقع من التصريح في بعض طرقه أنهم احتقروا العقوبة وانهمكوا، فاقتضى رأيهم أن يضيفوا إلى الحد المذكور قدره، إما اجتهادا بناء على جواز دخول القياس في الحدود، فيكون الكل حدا، أو استنبطوا من النص معنى يقتضي الزيادة في الحد لا النقصان منه، أو القدر الذي زادوه كان على سبيل التعزير تحذيرا وتخويفا؛ لأن من احتقر العقوبة إذا عرف أنها غلظت في حقه كان أقرب إلى ارتداعه، فيحتمل أن يكونوا ارتدعوا بذلك.

ورجع الأمر إلى ما كان عليه قبل ذلك فرأى علي الرجوع إلى الحد المنصوص، وأعرض عن الزيادة لانتفاء سببها، ويحتمل أن يكون القدر الزائد كان عندهم خاصا بمن تمرد وظهرت منه آمارات الاشتهار بالفجور، ويدل على ذلك أن بعض طرق حديث الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عند الدارقطني وغيره، فكان عمر إذا أتي بالرجل الضعيف تكون منه الزلة جلده أربعين. قال: وكذلك عثمان جلد أربعين وثمانين.

وقال المازري: لو فهم الصحابة أن النبي صلى الله عليه وسلم حد في الخمر حدا معينا؛ لما قالوا فيه بالرأي كما لم يقولوا بالرأي في غيره، فلعلهم فهموا أنه ضرب فيه باجتهاده في حق من ضربه. انتهى.

وقد وقع التصريح بالحد المعلوم فوجب المصير إليه، ورجح القول بأن الذي اجتهدوا فيه زيادة على الحد إنما هو التعزير على القول بأنهم اجتهدوا في الحد المعين؛ لما يلزم منه من المخالفة التي ذكرها، كما سبق تقريره.

وقد أخرج عبد الرزاق عن ابن جريج أنبأنا عطاء أنه سمع عبيد بن عمير يقول: كان الذي يشرب الخمر يضربونه بأيديهم ونعالهم، فلما كان عمر فعل ذلك حتى خشي فجعله أربعين سوطا، فرآهم لا يتناهون جعله ثمانين سوطا، وقال: هذا أخف الحدود.

والجمع بين حديث علي المصرح بأن النبي صلى الله عليه وسلم جلد أربعين، وأنه سنة، وبين حديثه المذكور في هذا الباب، أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسنه، بأن يحمل النفي على أنه لم يحد الثمانين، أي: لم يسن شيئا زائدا على الأربعين، ويؤيده قوله: " وإنما هو شيء صنعناه نحن ". يشير إلى ما أشار به على عمر، وعلى هذا فقوله: لو مات لوديته "أي في الأربعين الزائدة" وبذلك جزم البيهقي وابن حزم، ويحتمل أن يكون قوله: "لم يسنه" أي: الثمانين لقوله في الرواية الأخرى: "وإنما هو شيء صنعناه " فكأنه خاف من الذي صنعوه باجتهادهم أن