للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهذا مذهب مالك وأصحابه، والشافعي وأصحابه وأحمد بن حنبل وأصحابه، وهو أحد القولين في مذهب أبي حنيفة، وهو اختيار محمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة، واختيار طائفة من المشائخ.

وأورد أسماء كثيرة منهم، ثم قال: وذهب طائفة من العلماء من أهل الكوفة: كالنخعي والشعبي وأبو حنيفة وشريك وغيرهم إلى أن ما أسكر من غير الشجرتين النخل والعنب كنبيذ الحنطة والشعير والذرة والعسل ولبن الخيل وغير ذلك، فإنما يحرم منه القدر الذي يسكر، وأما القليل الذي لا يسكر فلا يحرم. وأما عصير العنب الذي إذا غلا واشتد وقذف بالزبد فهو خمر، يحرم قليله وكثيره بإجماع المسلمين.

وأصحاب القول الثاني قالوا: لا يسمى خمرا إلا ما كان من العنب، وقالوا: إن نبيذ التمر والزبيب إذا كان نيا مسكرا حرم قليله كثيره ولا يسمى خمرا. فإن طبخ أدنى طبخ حل، وأما عصير العنب إذا طبخ وهو مسكر لم يحل. إلا أن يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه، فأما بعد أن يصير خمرا فلا يحل وإن طبخ إذا كان مسكرا بلا نزاع.

والقول الأول الذي عليه جمهور علماء المسلمين هو الصحيح الذي يدل عليه الكتاب والسنة والاعتبار، فإن الله تعالى قال في كتابه: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (١) {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} (٢).

واسم الخمر في لغة العرب الذين خوطبوا بالقرآن كان يتناول المسكر من التمر وغيره، ولا يختص بالمسكر من العنب؛ فإنه قد ثبت بالنقول الصحيحة أن الخمر لما حرمت بالمدينة النبوية وكان تحريمها بعد غزوة أحد في السنة الثالثة من الهجرة لم يكن من عصير العنب شيء، فإن المدينة ليس فيها شجر عنب وإنما كانت خمرهم من التمر، فلما حرمها الله عليهم أراقوها بأمر النبي صلى الله عليه وسلم. بل وكسروا أوعيتها وشقوا ظروفها، وكانوا يسمونها خمرا، فعلم أن اسم الخمر في كتاب الله عام لا يختص بعصير العنب.

فروى البخاري في صحيحه عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: نزل تحريم الخمر وإن


(١) سورة المائدة الآية ٩٠
(٢) سورة المائدة الآية ٩١