أحدهما: أن العلو صفة كمال، والله تعالى له صفات الكمال من كل وجه، كما قال تعالى:{وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}(١) فوجب ثبوت العلو له.
الثاني: أنه إذا انتفت صفة العلو ثبتت صفة السفل لتقابلهما، وصفة السفل صفة نقص، والله تعالى منزه عن كل نقص.
ودلت الفطرة أيضا على علو الله تعالى دلالة ضرورية فطرية، فما من داع أو خائف إلا فزع إلى ربه تعالى، نحو السماء لا يلتفت عنه يمنة ولا يسرة، والمسلمون في سجودهم يقول القائل منهم: سبحان ربي الأعلى، فلا يجد من قلبه إلا الاتجاه نحو السماء.
وقد أجمع سلف الأمة وأئمتها على ما اقتضته هذه الأدلة من علو الله تعالى بذاته وصفاته.
ولم يخالف في ذلك إلا من اجتالته الشياطين من الحلولية من قدماء الجهمية وغيرهم، أو من سلكوا سبيل التعطيل المحض في هذا الباب فقالوا: إنه ليس داخل العالم ولا خارجه، ولا فوقه ولا تحته، ولا متصل بالعالم ولا منفصل عنه، وقد قال بعض العلماء: لو قيل صفوا الله بالعدم ما كان أبلغ لوصفه بذلك من هذا القول، تعالى الله عنه علوا كبيرا.
واستواء الله تعالى على عرشه بذاته حقيقة هو علو الله علوا خاصا يليق بجلاله وعظمته، وفيه عن السلف أربعة معان هذا أحدها، والثاني الصعود، والثالث الارتفاع، والرابع الاستقرار، وكلها حق لا تناقض بينها، ولا تنافي ما يجب لله تعالى من الكمال.
ولم يخالف السلف في ذلك إلا أهل التحريف والتعطيل الذين قالوا: إنه بمعنى الاستيلاء عليه، وهو قول باطل مخالف لصريح القرآن والسنة، فقد ذكر الله تعالى الاستواء على العرش في سبعة مواضع من القرآن، لم يأت في واحد منها بلفظ الاستيلاء حتى يفسر به الباقي، ثم إنه ذكر بلفظ الفعل مقرونا بثم في ستة مواضع، ومذكورا بعده عموم الملك في الموضع السابع، مما يمنع منعا ظاهرا أن يكون بمعنى الاستيلاء. وجاءت السنة بالتصريح بأن الله فوق العرش، ولا يخفى أيضا ما يلزم على تفسيره بالاستيلاء من اللوازم الباطلة.
وتفسير معية الله تعالى لخلقه بعلمه بهم وإحاطته في المعية العامة، وبنصره وحفظه مع