للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

السماوات بذاته، مستو على عرشه كيف شاء، وقد حكى الإجماع على ذلك غير واحد من أكابر العلماء، ونقله شيخ الإسلام ابن تيمية والذهبي وابن القيم عن غير واحد من الأئمة، وتقدم ذكر ذلك في أول الكتاب، وما خالف الإجماع من الأقوال فهو مردود على قائله كائنا من كان.

وإذا علم هذا، فمن الجمل التي تعلق بها المردود عليه قول شيخ الإسلام ابن تيمية في صفحة ٣ من المجلد الخامس من مجموع الفتاوى، أن كلمة (مع) إذا أطلقت فليس ظاهرها في اللغة إلا المقارنة المطلقة من غير وجوب مماسة، أو محاذاة عن يمين أو شمال، فإذا قيدت بمعنى من المعاني دلت على المقارنة في ذلك المعنى، قال: فالله مع خلقه حقيقة، وهو فوق عرشه حقيقة، ثم هذه المعية تختلف أحكامها بحسب الموارد، فلما قال: {يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا} (١) إلى قوله: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} (٢) دل ظاهر الخطاب على أن حكم هذه المعية ومقتضاها: أنه مطلع عليكم، شهيد عليكم، ومهيمن عالم بكم، وهذا معنى قول السلف أنه معهم بعلمه. وهذا ظاهر الخطاب وحقيقته.

والجواب أن يقال: ليس في هذه الجملة ما يتعلق به من زعم أن معية الله لخلقه معية ذاتية، وإنما فيها الرد عليه؛ لأن شيخ الإسلام - رحمه الله تعالى - قد صرح أن المعية المذكورة في قول الله تعالى: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} (٣) قد دل ظاهر الخطاب على أن حكمها ومقتضاها أنه مطلع عليكم، شهيد عليكم، ومهيمن عالم بكم، قال: وهذا معنى قول السلف: إنه معهم بعلمه، قال: وهذا ظاهر الخطاب وحقيقته. انتهى.

فأما القول بالمعية الذاتية، فإنما هو من أقوال الحلولية من الجهمية، وقد ذكر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى، وتقدم كلامه في أول الكتاب، فليراجع.


(١) سورة الحديد الآية ٤
(٢) سورة الحديد الآية ٤
(٣) سورة الحديد الآية ٤