للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والجواب أن يقال: إن المردود عليه قد اختصر كلام شيخ الإسلام، وترك جملة من أوله فيها بيان المراد من كلامه في المعية، وأنها معية العلم؛ لعموم العباد ومعية النصر والتأييد والكفاية لأنبياء الله وأوليائه، وهذا نص كلام شيخ الإسلام قال: وأما القسم الرابع فهم سلف الأمة، وأئمتها أئمة العلم والدين من شيوخ العلم والعبادة، فإنهم أثبتوا وآمنوا بجميع ما جاء به الكتاب والسنة كله من غير تحريف للكلم، أثبتوا أن الله تعالى فوق سماواته، وأنه على عرشه، بائن خلقه، وهم منه بائنون، وهو أيضا مع العباد عموما بعلمه، ومع أنبيائه وأوليائه بالنصر والتأييد والكفاية، وهو أيضا قريب مجيب، ففي آية النجوى دلالة على أنه عالم بهم.

وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «اللهم أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل (١)»، فهو سبحانه مع المسافر في سفره، ومع أهله في وطنه، ولا يلزم من هذا أن تكون ذاته مختلطة بذواتهم - إلى أن قال: - فالله تعالى عالم بعباده، وهو معهم أين ما كانوا، وعلمه بهم من لوازم المعية. انتهى.

وفي قوله: إن الله تعالى فوق سماواته، وأنه على عرشه، بائن من خلقه، وهم منه بائنون، وأنه مع العباد عموما بعلمه، ومع أنبيائه وأوليائه بالنصر والتأييد، والكفاية أبلغ رد على من زعم أن معية الله لخلقه معية ذاتية، وكذلك قوله: إن في آية النجوى دلالة على أنه عالم بهم. فيه أيضا رد عليه.

وأما المعية المذكورة في قوله: فهو مع المسافر في سفره، ومع أهله في وطنه، فهي معية الاطلاع والحفظ والكفاية، وليست معية ذاتية كما قد توهم ذلك المردود عليه. وقد أوضح ذلك شيخ الإسلام بقوله: ولا يلزم من هذا أن تكون ذاته مختلطة بذواتهم. ومن تأمل كلام شيخ الإسلام في المعية وجده يدور على أنها معية العلم والإحاطة، والاطلاع، والسماع، والرؤية لعموم الخلق، وأن لله معية خاصة مع أنبيائه وأوليائه، وهي معية النصر والتأييد والكفاية.


(١) صحيح مسلم الحج (١٣٤٢)، سنن الترمذي الدعوات (٣٤٤٧)، سنن أبو داود الجهاد (٢٥٩٩)، مسند أحمد بن حنبل (٢/ ١٥٠)، سنن الدارمي الاستئذان (٢٦٧٣).