والجواب أن يقال: إن شيخ الإسلام - رحمه الله تعالى - لم يقل: إن معية الله لخلقه معية ذاتية حتى يكون للمردود عليه تعلق بكلامه، وقد تقدم في الجواب عن الجملة الثانية ما نقله شيخ الإسلام عن سلف الأمة وأئمتها، أنهم أثبتوا أن الله تعالى فوق سماواته، وأنه على عرشه، بائن من خلقه، وهم منه بائنون، وأنه مع العباد عموما بعلمه، ومع أنبيائه وأوليائه بالنصر والتأييد والكفاية، وأن في آية النجوى دلالة على أنه عالم بهم، فكلام شيخ الإسلام "في الفتاوى" يوضح كلامه في "العقيدة الواسطية"، ويبين أنه أراد بالمعية معية العلم، ولم يرد المعية الذاتية التي تستلزم مخالطة الخلق في كل مكان.
وأما قول شيخ الإسلام: وهو علي في دنوه، قريب في علوه، فمراده بالدنو نزول الرب - تبارك وتعالى - إلى السماء الدنيا كل ليلة حين يبقى ثلث الليل الآخر، كما جاء ذلك في الأحاديث الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم. وكذلك دنوه من أهل الموقف عشية عرفة، فقد جاء في حديث مرفوع أن الله تعالى يهبط إلى سماء الدنيا عشية عرفة، فيباهي بأهل الموقف الملائكة. وليس في نزول الرب - تبارك وتعالى - إلى السماء الدنيا في آخر الليل، وفي عشية عرفة، ودنوه من خلقه ما يقتضي أن تكون معيته لهم معية ذاتية، وليس في كلام شيخ الإسلام ما يدل على ذلك، وقد ذكرت كلامه في المعية مما ذكره في الفتاوى وغيرها من كتبه، وما نقله من إجماع المسلمين من أهل السنة على أن معنى قوله تعالى:{وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ}(١) ونحو ذلك في القرآن أن ذلك علمه. فليراجع ما تقدم من النقول عنه؛ ففيها كفاية في الرد على من توهم من كلامه في "العقيدة الواسطية" خلاف ما أجمع عليه الصحابة والتابعون في المعية، وأنها معية العلم وليست معية ذاتية.