للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

العموم، كان من لوازم ذلك علمه بهم، وتدبيره لهم، وقدرته عليهم، وإذا كان ذلك خاصا كقوله: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} (١)، كان من لازم ذلك معيته لهم بالنصر والتأييد والمعونة.

قال: وقد أخبر الله تعالى أنه مع خلقه مع كونه مستويا على عرشه - إلى أن قال: - فعلوه لا يناقض معيته، ومعيته لا تبطل علوه، ثم تكلم على قرب الله تعالى وقال: فهو قريب من المحسنين بذاته ورحمته قربا ليس له نظير، وهو سبحانه مع ذلك فوق سماواته على عرشه، كما أنه سبحانه يقرب من عباده في آخر الليل، وهو فوق عرشه، ويدنو من أهل عرفة عشية عرفة وهو على عرشه. قال: وهو سبحانه قريب في علوه عال في قربه.

قال: والذي يسهل عليك فهم هذا معرفة عظمة الرب وإحاطته بخلقه، وأن السماوات السبع في يده كخردلة في يد العبد، وأنه سبحانه يقبض السماوات بيده والأرض بيده الأخرى، ثم يهزهن فكيف يستحيل في حق من هذا بعض عظمته أن يكون فوق عرشه، ويقرب من خلقه كيف شاء، وهو على العرش. اهـ.

والجواب عن هذا من وجهين: أحدهما: أن يقال: إن أهل السنة والجماعة أجمعوا على أن الله - تبارك وتعالى - مستو على عرشه، وعلمه وقدرته وتدبيره بكل ما خلقه، وأجمعوا على أن معنى قوله: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} (٢) ونحو ذلك في القرآن أن ذلك علمه، وأن الله تعالى فوق السماوات بذاته، مستو على عرشه كيف شاء. وقد نقل ابن القيم هذا الإجماع في كتابه المسمى (باجتماع الجيوش الإسلامية)، والعمدة على هذا الإجماع، ولا عبرة بما خالفه من أقوال الناس.

الوجه الثاني: أن أقول: إني لم أر في شيء من كتب ابن القيم التصريح بأن معية الله لخلقه معية ذاتية، وإنما كان كلامه يدور على إثبات معية العلم والقدرة والإحاطة والرؤية لعموم الخلق، وعلى معية النصر والتأييد والكفاية لأنبياء الله وأوليائه، وقد ذكر في كتابه المسمى "باجتماع الجيوش الإسلامية" آيات كثيرة في إثبات علو الرب - تبارك وتعالى - واستوائه على عرشه، ومنها قوله تعالى في سورة الحديد: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} (٣)، ثم قال:


(١) سورة النحل الآية ١٢٨
(٢) سورة الحديد الآية ٤
(٣) سورة الحديد الآية ٤