والجواب أن يقال: ليس في كلام ابن كثير ما يتعلق به من زعم أن معية الله لخلقه معية ذاتية، وفيما ذكره ابن كثير من الإجماع على أن المعية معية العلم أبلغ رد على صاحب الزعم المخالف للإجماع.
وأما قول المردود عليه بعد ما ذكر كلام شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وابن كثير وابن رجب، ففي كلام هؤلاء العلماء الأجلاء إشارة بل في بعضه تصريح بأن تفسير معية الله تعالى لخلقه بعلمه تفسير بلازمها أو حكمها ومقتضاها، كما في كلام شيخ الإسلام ابن تيمية، واللازم غير الملزوم، والمقتضي غير المقتضى؛ فلهذا قال شيخ الإسلام: ففرق بين معنى المعية ومقتضاها، وربما صار مقتضاها من معناها.
ووجه ذلك أن دلالة اللفظ على مدلوله تارة تكون بالمطابقة، وتارة بالتضمن، وتارة بالالتزام، فدلالة المعية على العلم من دلالة الملزوم على اللازم، كما نص عليه شيخ الإسلام ابن تيمية.
ولهذا قال: وعلمه بهم من لوازم المعية ومن التبعيض، وذلك لأن العلم ليس وحده لازم المعية، بل لها لوازم أخرى كالاطلاع والسمع والرقابة والهيمنة والقدرة والسلطان، وغير ذلك مما تقتضيه المعية. وقد مثل بهذه اللوازم الزائدة على العلم شيخ الإسلام وابن القيم وابن كثير وابن رجب رحمهم الله تعالى.
وأشار إلى مثل ذلك الشيخ الشنقيطي حيث قال: وأما المعية العامة لجميع الخلق فهي بالإحاطة التامة والعلم، ونفوذ القدرة، وكون الجميع في قبضته، فدل ذلك أن تفسير السلف لها بالعلم تفسير ببعض لوازمها، وليس وحده هو معناها، وأن مقصودهم بذلك خوف توهم حلول البارىء - جل وعلا - في أماكننا في الأرض، أو دفع دعوى من ادعى ذلك من الحلولية الجهمية، وقد ذكر أن ذلك مقصودهم الشيخ عبد الرحمن بن محمد بن قاسم حيث قال في الفهارس العامة لمجموع الفتاوى ص ٩٠: فسر بعض السلف بعض نصوص المعية بالعلم، وهو بعض مقتضاها؛ دفعا لاستدلا الحلولية بها. اهـ.
فجوابه أن يقال: إن العلماء الذين ذكرهم المردود عليه في هذه الجملة لم يقل أحد منهم أن معية الله لخلقه معية ذاتية، وإنما كان كلامهم يدور على إثبات معية العلم والقدرة والإحاطة والسماع والرؤية لعموم الخلق. وعلى إثبات معية النصر والتأييد والكفاية لأنبياء الله وأوليائه، وقد ذكر كلام شيخ الإسلام وابن القيم وابن كثير في ذلك قريبا، فليراجع.
وأما كلام ابن رجب الذي تقدم ذكره فهو موافق لكلام شيخ الإسلام وابن القيم وابن