للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أثبتوا صفة الإرادة؛ لدلالة السمع والعقل عليها.

أما السمع فمنه قوله تعالى: {وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ} (١).

وأما العقل فإن اختلاف المخلوقات، وتخصيص بعضها بما يختص به من ذات أو وصف دليل على الإرادة.

ونفوا الرحمة قالوا: لأنها تستلزم لين الراحم ورقته للمرحوم، وهذا محال في حق الله تعالى.

وأولوا الأدلة السمعية المثبتة للرحمة إلى الفعل أو إرادة الفعل، ففسروا الرحيم بالمنعم أو مريد الإنعام.

فنقول لهم: الرحمة ثابتة لله تعالى بالأدلة السمعية، وأدلة ثبوتها أكثر عددا وتنوعا من أدلة الإرادة، فقد وردت بالاسم مثل: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} (٢)، والصفة مثل: {وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ} (٣)، والفعل مثل: {وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ} (٤).

ويمكن إثباتها بالعقل، فإن النعم التي تترى على العباد من كل وجه، والنقم التي تدفع عنهم في كل حين دالة على ثبوت الرحمة لله - عز وجل -، ودلالتها على ذلك أبين وأجلى من دلالة التخصيص على الإرادة؛ لظهور ذلك للخاصة والعامة، بخلاف دلالة التخصيص على الإرادة، فإنه لا يظهر إلا لأفراد من الناس.

وأما نفيها بحجة أنها تستلزم اللين والرقة، فجوابه أن هذه الحجة لو كانت مستقيمة لأمكن نفي الإرادة بمثلها،. فيقال: الإرادة ميل المريد إلى ما يرجو به حصول منفعة أو دفع مضرة، وهذا يستلزم الحاجة، والله تعالى منزه عن ذلك.

فإن أجيب بأن هذه إرادة المخلوق، أمكن الجواب بمثله في الرحمة بأن الرحمة المستلزمة للنقص هي رحمة المخلوق.


(١) سورة البقرة الآية ٢٥٣
(٢) سورة الفاتحة الآية ٣
(٣) سورة الكهف الآية ٥٨
(٤) سورة العنكبوت الآية ٢١