للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقوله: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} (١)، وقوله: {أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ} (٢). وقوله: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (٣)، وقوله صلى الله عليه وسلم: «ينزل ربنا إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر (٤)»، وقوله صلى الله عليه وسلم: «ما تصدق أحد بصدقة من طيب - ولا يقبل الله إلا الطيب - إلا أخذها الرحمن بيمينه (٥)» إلى غير ذلك من الآيات والأحاديث الدالة على قيام الأفعال الاختيارية به تعالى.

فقوله في هذا الحديث: تقربت منه وأتيته هرولة من هذا الباب.

والسلف أهل السنة والجماعة يجرون هذه النصوص على ظاهرها وحقيقة معناها اللائق بالله عز وجل من غير تكييف ولا تمثيل، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في شرح حديث النزول: (٦) وأما دنوه نفسه وتقربه من بعض عباده، فهذا يثبته من يثبت قيام الأفعال الاختيارية بنفسه ومجيئه يوم القيامة، ونزوله، واستواءه على العرش. وهذا مذهب أئمة السلف وأئمة الإسلام المشهورين وأهل الحديث، والنقل عنهم بذلك متواتر أهـ.

فأي مانع يمنع من القول بأنه يقرب من عبده كيف يشاء مع علوه؟

وأي مانع يمنع من إتيانه كيف يشاء بدون تكييف ولا تمثيل؟

وهل هذا إلا من كماله أن يكون فعالا لما يريد على الوجه الذي به يليق؟

وذهب بعض الناس إلى أن قوله تعالى في هذا الحديث القدسي: «أتيته هرولة (٧)». يراد به سرعة قبول الله تعالى وإقباله على عبده المتقرب إليه المتوجه بقلبه وجوارحه وأن مجازاة الله للعامل له أكمل من عمل العامل. وعلل ما ذهب إليه بأن الله تعالى قال: «ومن أتاني يمشي (٨)» ومن المعلوم أن المتقرب إلى الله عز وجل الطالب للوصول إليه لا يتقرب ويطلب الوصول إلى الله تعالى بالمشي فقط بل تارة يكون بالمشي كالسير إلى المساجد ومشاعر الحج والجهاد في سبيل الله ونحوها أو تارة بالركوع والسجود ونحوهما، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم «أن أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد (٩)»، بل قد يكون التقرب إلى الله تعالى وطلب


(١) سورة الفجر الآية ٢٢
(٢) سورة الأنعام الآية ١٥٨
(٣) سورة طه الآية ٥
(٤) صحيح البخاري الجمعة (١١٤٥)، صحيح مسلم صلاة المسافرين وقصرها (٧٥٨)، سنن الترمذي الصلاة (٤٤٦)، سنن أبو داود الصلاة (١٣١٥)، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (١٣٦٦)، مسند أحمد بن حنبل (٢/ ٥٠٤)، موطأ مالك النداء للصلاة (٤٩٦)، سنن الدارمي الصلاة (١٤٧٨).
(٥) صحيح البخاري الزكاة (١٤١٠)، صحيح مسلم الزكاة (١٠١٤)، سنن الترمذي الزكاة (٦٦١)، سنن النسائي الزكاة (٢٥٢٥)، سنن ابن ماجه الزكاة (١٨٤٢)، مسند أحمد بن حنبل (٢/ ٥٣٨)، موطأ مالك الجامع (١٨٧٤)، سنن الدارمي الزكاة (١٦٧٥).
(٦) ص ٤٤٦ ج ٥ من مجموع الفتاوى
(٧) صحيح البخاري التوحيد (٧٤٠٥)، صحيح مسلم الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار (٢٦٧٥)، سنن الترمذي الدعوات (٣٦٠٣)، سنن ابن ماجه الأدب (٣٨٢٢)، مسند أحمد بن حنبل (٢/ ٢٥١).
(٨) صحيح مسلم الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار (٢٦٨٧)، سنن ابن ماجه الأدب (٣٨٢١)، مسند أحمد بن حنبل (٥/ ١٥٣)، سنن الدارمي الرقاق (٢٧٨٨).
(٩) صحيح مسلم الصلاة (٤٨٢)، سنن النسائي التطبيق (١١٣٧)، سنن أبو داود الصلاة (٨٧٥)، مسند أحمد بن حنبل (٢/ ٤٢١).