للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بعد المسلمين الصادقين خلوف ضائعة مستعبدة لأهوائها ممزقة من أعدائها تلهث وراء إشباع غرائزها فعاقبها الله بأن فتح عليها أبواب شهوات البطون والفروج حتى صار كل ما يحصل عليه لا يزيدها إلا شرها ونهما وتكالبا؟ فباعت بذلك كل رصيدها من عزة المؤمنين وكرامة المخلوقين ورسالة المصلحين ولا حول ولا قوة إلا بالله.

فإذا أردنا عودة صادقة إلى الله وتطلعنا إلى مقعد القيادة في الحياة لقيادة الناس بالهدى فلا بد من الرجوع إلى منهج الله في بناء الفرد المسلم السوي، المؤمن في ضميره الكامل بإعداده الإنساني في تعامله، المميز في خصائصه، المؤثر في مجتمعه، القادر على القيام بمسئولياته في المجتمع، ومهامه في الحياة، الواعي لأهداف أمته، العامل على تحقيقها في واقع الممارسات اليومية، القادر على التفكير السليم، المستقل في شخصيته، المعتز بذاتيته، الملتزم في انتمائه، المتوازن في شخصيته وتصرفاته، وتفكيره وهذا لا يتم إلا إذا غذي بلبان هذا الدين في مدارج نموه، ومعارج ارتقائه، ومراحل عمره، فإذا علمنا بأن أي مولود إنما يولد على الفطرة السليمة. مهيئا للإيمان متجها إلى الخير، مزودا بالاستعدادات المتيقظة لقبوله، عرفنا أهمية ما يتلقاه الطفل منذ الولادة، وأثره البالي في الدفع به في الاتجاه الصحيح، المتفق مع الفطرة السليمة، وهو الإسلام وأهمية تعاهده في مختلف مراحل حياته، بتنمية هذا الاتجاه في نفسه، وتقويته وبناء شخصيته، وخطورة إهمال الطفل أو توجيهه في غير الاتجاه الصحيح، والانحراف به عن جادة الحق، فإنه كسر لا يجبر، وخسارة لا تعوض، وجريمة لا تغتفر، فالتوجيه الذي يتلقاه الفرد منذ نعومة أظفاره حتى يعود إلى ربه بعد موته، هو ما يعرف عن علماء التربية تنمية قدراته وإكسابه القدرات المتجددة وهي التي قال عليها الرسول صلى الله عليه وسلم: «فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه (١)». في نهاية الحديث الذي قال فيه صلى الله عليه وسلم: «كل مولود يولد على الفطرة (٢)».

وإذا كان تعاهد الفرد من أول فجر حياته أمر له أهميته لأنه يحدد اتجاهه منذ الطفولة، وبقية مراحل عمره، فإن هذا الطفل مخلوق عجيب، لنفسيته جوانب مختلفة ومناح متعددة، وطول فترة طفولته تعطيه قدرة على الاستيعاب لما يتلقاه، طوال هذه الفترة وما يليها من مراحل نموه المختلفة، ومرونة فذة على التكيف، وفق متطلبات النشأة


(١) صحيح البخاري الجنائز (١٣٥٨)، صحيح مسلم القدر (٢٦٥٨)، سنن الترمذي القدر (٢١٣٨)، سنن النسائي الجنائز (١٩٥٠)، سنن أبو داود السنة (٤٧١٤)، مسند أحمد بن حنبل (٢/ ٣١٥)، موطأ مالك الجنائز (٥٦٩).
(٢) صحيح البخاري الجنائز (١٣٨٥)، صحيح مسلم القدر (٢٦٥٨)، سنن الترمذي القدر (٢١٣٨)، سنن أبو داود السنة (٤٧١٤)، مسند أحمد بن حنبل (٢/ ٢٧٥)، موطأ مالك الجنائز (٥٦٩).