للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ويقولون: إن إحجام السابقين الأولين عن ترجمة معاني القرآن أدى إلى انتشار اللغة العربية حتى عمت جميع الأقطار الإسلامية، فتحقق للمسلمين من وراء انتشارها مزايا كثيرة: اجتماعية، وعمرانية، وسياسية، فاتحدت ممالك الإسلام لغة كما اتحدت دينا، ونشأ عن ذلك اتحادها في المجتمع، وزوال تنافرها.

ومن رأيهم أن الممالك الداخلة في الإسلام، لو أنها اشتغلت بترجمة معاني القرآن إلى لغاتها، ورأت أن ذلك جائز أو واجب، ما كانت مصر والعراق والشام وتونس والجزائر والمغرب الأقصى مجالا للعروبة في تاريخنا، ولبقيت على عجمتها متفرقة اللسان والتفكير والثقافة والأدب، ولآل ذلك في نهاية الأمر إلى الافتراق في الدين أيضا.

فعدول السابقين عن الترجمة - برغم يسرها عليهم - وتحمل هؤلاء الأعاجم عبء تعلم اللغة العربية، وإحلالها محل لغاتهم الأصيلة دليل قائم على عدم جواز ترجمة معاني القرآن.

وأما عن تبليغ رسالة القرآن إلى الناس كافة وفيهم غير العرب فهم يرون في ذلك الاكتفاء بتبليغ مجمل ما جاء من أصول الدين والعقائد والعبادات والمعاملات كالإيمان، والإقرار بالشهادتين، وأحكام الصلاة والصوم والزكاة والحج والأحوال الشخصية. . . إلخ. ويرون أنه لا يتعين إبلاغ القرآن كله لكل الأمم، بل يقولون: إن من واجب تلك الأمم أن تتعلم اللسان العربي؛ حتى يمكن تبليغ رسالة القرآن إليها بنصها العربي.

ومنهم من يقول: إن بعض علماء الكلام ينصون على أن معرفة الله بالبرهان واجبة، ولا يمكن التوصل إلى ذلك إلا بتعلم اللغة العربية؛ إذ القرآن واللسان عربيان، وبهما تعرف الأدلة، وما لا يتوصل للواجب إلا به فهو واجب.

ومن أنصار هذا الرأي - أي القول بعدم جواز ترجمة معاني القرآن - ابن جزي في " القوانين الفقهية "، فقد ذكر أن من لم يحسن تلاوة القرآن وقراءته - إن كان لم يتعلمها - وجب عليه تعلمها، أو الصلاة وراء من يحسنها، فإن لم يجد فقيل يذكر الله، وقيل يسكت، ولا يجوز ترجمتها.

ويرى الأستاذ مصطفى صادق الرافعي أن من أسباب تحريم ترجمة معاني القرآن ونقله إلى لغات العالم قصور الترجمة، فهي لا يمكن أن تؤديه البتة، ولا تستطيع مطلقا