للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هرقل قيصر الروم، وكسرى فارس، والنجاشي ملك الحبشة، والمقوقس عظيم القبط، فيجب على العرب أن يبلغوا رسالة الإسلام لغيرهم من الأمة نيابة عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولذا قال لهم: «بلغوا عني ولو آية (١)». والتبليغ لجميع الأمم لا يمكن أن يكون في العادة شاملا لجميع أفراد الشعب إلا إذا كان بالترجمة إلى لغاتهم. وما دامت أمة من الأمم لم يترجم معنى القرآن إلى لغتها ففرض الكفاية بالتبليغ لم يؤد، ولم يحصل القيام به من الأمة كما يجب.

أما عن القائلين بعدم جواز الترجمة والاكتفاء في التبليغ بمجمل ما جاء به الدين، فحجتهم داحضة لا يقوم عليها دليل؛ إذ الظاهر من قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} (٢) أن المراد بما أنزل هو عموم القرآن لا جزء خاص منه، بل إنه يشمل السنة أيضا.

وإنه لمن الدلالات القاطعة بفساد ما دعا إليه القائلون بعدم جواز الترجمة وإلزام الأمم بتعلم اللغة العربية، أنهم لن يستطيعوا أن يقيموا على ما ذهبوا إليه أي دليل نقلي أو عقلي. . فالدلالات النقلية تعوزهم، والدلالات العقلية المنطقية تسفه رأيهم، وليس أدل على ما نقول من قوله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ} (٣)، ولقد ثبت أن الرسول صلى الله عليه وسلم كلم أهل اليمن بلغتهم، كما جاء في كتاب (الشفاء) وغيره. ثم إنه لاختلاف ألسن العرب ولهجاتهم اقتضت حكمة الله أن يكون نزول القرآن على سبعة أحرف ليقرأ العرب ما تيسر لهم منه، وما كان ذلك إلا تسهيلا عليهم كي لا يلزموا بلغة خاصة.

فإذا كان بنو تميم وهوازن وعرب اليمن لم يلزموا بتعلم لغة قريش لغة القرآن، بل أبيح لهم أن يقرءوه بحروفهم ولحونهم مع أنه من السهل عليهم أن يروضوا ألسنتهم على لسان قريش. فغير العرب أولى وأحرى بأن لا يلزموا بتعلم العربية؛ حتى يتسنى لنا تعليمهم الدين والقرآن - طبقا لما يقول به مخالفونا في الرأي - بل يجب أن نيسر لهم تفهم القرآن بلغاتهم وألسنتهم، وبذلك نكون قد بلغناهم الرسالة وألزمناهم الحجة.


(١) صحيح البخاري أحاديث الأنبياء (٣٤٦١)، سنن الترمذي العلم (٢٦٦٩)، مسند أحمد بن حنبل (٢/ ١٥٩)، سنن الدارمي المقدمة (٥٤٢).
(٢) سورة المائدة الآية ٦٧
(٣) سورة الروم الآية ٢٢