للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فلا يمكن أن تنشأ من تعدد الترجمات اختلاف في القرآن كما وقع في التوراة والإنجيل، لأن القرآن نزل على محمد صلى الله عليه وسلم وقد أوحي إليه بلفظه ونصه وأسلوبه. وأما غير القرآن من كتب الشرائع السماوية فقد أوحى بها إلى أصحابها بمعانيها دون ألفاظها وأساليبها. ولذلك فإن القرآن لا يمكن أن يتطرق إليه تغيير أو اختلاف أو تبديل، أما الترجمات المختلفة لمعاني القرآن فهي تفسير لمعانيه، ومن اليسير على أئمة المسلمين وعلمائهم أن يقابلوا الترجمة على الأصل العربي المنزل، فيقبل الموافق للنص، وينبذ المخالف.

وكل تفسير للقرآن - سواء أكان بلسان عربي أم غير عربي - ليس هو القرآن، وإنما القرآن هو المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم بنصه ولفظه ولغته. وللقرآن الكريم سمات وصفات لا يمكن أن تنطبق على غيره من التفاسير والشروح والترجمات. قال تعالى: {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} (١) {وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ} (٢)، وقال: {قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} (٣)، وقال: {فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا} (٤)، ولسان النبي صلى الله عليه وسلم لسان عربي مبين، قال تعالى: {لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ} (٥)، وقال: {بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ} (٦) {فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ} (٧)، وقال: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ} (٨) {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} (٩).

وبعد: فالذي نستخلصه من كل ما سبق، هو ضرورة ترجمة معاني القرآن ضرورة ملزمة، وهي فرض كفاية إذا قام به البعض سقط عن الباقين، وأنه من الخير أن يقوم بالترجمة جماعة على مستوى عال من الثقافات الشرعية واللسانية والعلوم الاجتماعية مع سلامة العقيدة، والحذق التام والمهارة البارعة في اللغتين العربية والأجنبية المترجم إليها. وحسبنا من القائمين بترجمة معاني القرآن أن يبذلوا أقصى الجهد في نقله إلى اللغات الأجنبية بما يوضح معانيه ولا يخرج عن مقاصده، في أسلوب واضح وبيان مقنع راجح. . . وبالله التوفيق.


(١) سورة الزخرف الآية ٣
(٢) سورة الزخرف الآية ٤
(٣) سورة الزمر الآية ٢٨
(٤) سورة مريم الآية ٩٧
(٥) سورة النحل الآية ١٠٣
(٦) سورة البروج الآية ٢١
(٧) سورة البروج الآية ٢٢
(٨) سورة الدخان الآية ٣
(٩) سورة الدخان الآية ٤