للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فيه: «فإن الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله (١)» قال: اعلم أنه قد وردت أحاديث ظاهرها أنه من أتى بالشهادتين حرم على النار كهذا الحديث وحديث أنس قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم ومعاذ رديفه على الرحل، فقال: يا معاذ. قال: لبيك رسول الله وسعديك. قال: ما من عبد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله إلا حرمه الله على النار (٢)»، ولمسلم عن عبادة مرفوعا: «ومن شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله حرمه الله على النار (٣)»، ووردت أحاديث فيها أن من أتى بالشهادتين دخل الجنة، وليس فيها أن يحرم على النار، منها حديث عبادة الذي تقدم قريبا وحديث أبي هريرة «أنهم كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك (٤)» الحديث وفيه: «فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله؟ لا يلقى الله بهما عبد غير شاك فيحجب عن الجنة (٥)» رواه مسلم (٦).

قال: وأحسن ما قيل في معناه ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره: إن هذه الأحاديث إنما هي فيمن قالها ومات عليها - كما جاءت مقيدة - وقالها خالصا من قلبه مستيقنا بها قلبه غير شاك فيها، بصدق ويقين، فإن حقيقة التوحيد انجذاب الروح إلى الله جملة، فمن شهد أن لا إله إلا الله خالصا من قلبه دخل الجنة؛ لأن الإخلاص هو انجذاب القلب إلى الله تعالى بأن يتوب من الذنوب توبة نصوحا، فإذا مات على تلك الحال نال ذلك، فإنه قد تواترت الأحاديث بأنه يخرج من النار من قال: لا إله إلا الله وكان في قلبه من الخير ما يزن شعيرة وما يزن خردلة وما يزن ذرة. وتواترت بأن كثيرا ممن يقول: لا إله إلا الله، يدخل النار ثم يخرج منها،، وتواترت بأن الله حرم النار أن تأكل أثر السجود من ابن آدم، فهؤلاء كانوا يصلون ويسجدون لله، وتواترت بأنه يحرم على النار من قال: لا إله إلا الله، ومن يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، لكن جاءت مقيدة بالقيود الثقال، وأكثر من يقولها لا يعرف الإخلاص ولا اليقين، ومن لا يعرف ذلك يخشى عليه أن يفتن عنها عند الموت فيحال بينه وبينها، وأكثر من


(١) رواه البخاري ١١/ ٢٠٦ ومسلم رقم (٣٣).
(٢) رواه البخاري ١/ ١٩٩ ورواه مسلم في الإيمان.
(٣) صحيح مسلم ١/ ٢٨٨ - ٢٢٩ بشرح النووي.
(٤) سنن أبو داود البيوع (٣٣٥٧)، مسند أحمد بن حنبل (٢/ ١٧١).
(٥) صحيح مسلم الإيمان (٢٧)، مسند أحمد بن حنبل (٢/ ٤٢١).
(٦) صحيح مسلم مع شرح النووي ١/ ٢٢٤.