باسم الله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده
وبعد:
فهذا بحث ميدانه: كتاب رب العالمين.
وموضوعه: النسيان والذكر وتناول القرآن الكريم لهما.
ومنهجه: تتبع هذين اللفظين في الكتاب العزيز، في صورهما المتنوعة، واستخلاص النظرة الشاملة لهما بحيث يبدوان موضوعا واحدا متكاملا مدروسا على ضوء المنهج الإسلامي.
ومن هنا نرى هذا البحث يحمل طابع الدراسة اللغوية للقرآن الكريم، وفي الوقت نفسه أسلوب جديد في تفسير الكتاب العزيز.
والنسيان والذكر ظاهرتان بشريتان، ولهما أثرهما الكبير في مسيرة البشر من هذه الحياة، وهما أيضا من أعظم النعم التي أنعم الله بها على الإنسان؛ ليستعين بها في أداء رسالته في الحياة، رسالة العبودية الخالصة لله تعالى وحده.
وقد يتصور الإنسان بادئ الرأي أن هذين من الأمور البشرية التي لا يتعرض لها المنهج الإلهي بالبيان، فماذا يهم الإسلام إن نسي الإنسان في دنياه أو تذكر؟!
لكن الحقيقة التي يؤكدها السلوك الإنساني أن ظاهرتي النسيان والذكر قد تصبحان موضوعا إسلاميا عندما يتحول النسيان إلى غفلة، وعندما يكون الذكر سياجا يحمي عقيدة الإيمان.
ولهذا تحدث القرآن الكريم- كما سنرى- عن هاتين الظاهرتين كثيرا، وبشمول واستيعاب لجميع أوضاعهما الإنسانية والدينية.
وسنبدأ بالحديث عن النسيان اتباعا لمنهج القرآن الذي يحارب الكفر كمقدمة للدعوة إلى الإيمان، وينهى عن الشرك قبل الدعوة إلى التوحيد، ويحارب الطاغوت قبل أن يدعو إلى عبادة الله وحده لا شريك له.