للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهذه هي مظاهره:

(أ) - نسيان الذنوب والخطايا:

إذا وقع الإنسان في الذنب أو هوى إلى الخطيئة لأول مرة فله عذره، والخطأ من حقه؛ لأن وراءه نوازع بشرية عميقة التأثير في توجيه السلوك، ولذا شأنه إذا تاب قبل الله توبته، وفرح بأوبته على أن يظل هذا الذنب الذي اقترفه درسا يضيفه إلى تجاربه التي تحدد في الحياة فاعليته ومسلكه.

أما إذا نسي تجربة الذنب فستنتكس حياته، ويتعثر سلوكه، ويظل يهوي مع هواه حتى يكون من الغاوين، وهذه هي صفته كما عرضها القرآن الكريم.

يقول الله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ} (١)، فأسلوب الآية يشير إلى أن أشد الناس ظلما ذاك الباغية المنحرف، الذي يذكر بآيات الله في كتابه وفي الحياة فيعرض عن الذكرى، وينسى ما تورط فيه من ذنوب وآثام، ومن هنا استحق ما وصف به في آخر الآية {إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا} (٢)، وإذا كان في طبع الآثم نسيان ذنبه، فهذا النسيان دعامة انحرافه، ومن هنا يكشف القرآن الكريم هذه الظاهرة في سلوك طائفة أخرى من الآثمين الذين هووا في وادي الشرك السحيق، إذ ذكروا ربهم في الضراء، ونسوا أنهم أشركوا به في السراء، فيقول تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} (٣) {بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ وَتَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ} (٤) فالفطرة السليمة التي شوهها الإنسان بانحرافه في السراء تعود نقية صافية، تشد الإنسان المنحرف إلى ربه في الضراء؛ ولهذا ترشد الآية إليها؛ لتؤكد للإنسان أن نداء الفطرة السليمة أهدى وأقوم.


(١) سورة الكهف الآية ٥٧
(٢) سورة الكهف الآية ٥٧
(٣) سورة الأنعام الآية ٤٠
(٤) سورة الأنعام الآية ٤١