للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

(رسالة لشيخ الإسلام: تقي الدين ابن تيمية)

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين. وبعد:

فإن القراءات القرآنية من أكثر علوم القرآن والعربية أهمية وأجلها شأنا. . أما أهميتها من حيث اللغة فتعود إلى جانبين كبيرين:

- أولهما ما تقدمه للباحثين في نشأة اللغات وتطورها وتاريخها من الظواهر اللغوية الحية على اختلاف صنوفها: في الحرف والصوت والكلمة والتركيب. .

- وثانيهما ما تقدمه للنحو وفقه اللغة من الشواهد والنماذج مما لا يبلغ بعض شأوه شواهد العربية الأخرى في الشعر والخطب والأمثال والأقوال. . وذلك بسبب مما حظيت به القراءات منذ نشأتها من عناية وضبط وتوثيق. . بالتلقي المتثبت، والمشافهة الواعية، والرواية المتواترة أو النقل المستفيض، والتدوين المقرون بالوصف الدقيق والأسانيد المدروسة الموثوقة. .

وأما رفعة شأنها فلارتباطها بالقرآن العظيم منهاج المتقين ومعراج المرتقين، مصداقا لقوله عليه الصلاة والسلام: «خيركم من تعلم القرآن وعلمه (١)».

غير أن هذا الميدان الجليل بما اتسم به من الغنى اللغوي الفريد، نتيجة التيسير الذي عبر عنه الحديث النبوي: «أنزل القرآن على سبعة أحرف فاقرءوا ما تيسر منه (٢)»؛ أثار قدرا غير قليل من القضايا التي ارتبطت بعلم القراءات، وغدت مع الزمن أقرب إلى المشكلات، فشغلت العلماء والباحثين عبر القرون - وما يزال بعضها يشغلهم- للوصول إلى المعرفة اليقينية بشأنها. . من ذلك قولهم: ما تفسير الأحرف السبعة؟ أهي للتكثير أم لتحديد؟ وإن كانت الأخيرة فما المقصود بها على الدقة أهي القبائل أم الطرائق أم الظواهر؟


(١) رواه البخاري في صحيحه (٦/ ١٠٨).
(٢) رواه البخاري في صحيحه ٦/ ١١١.