فبددته. وكانت القاضية على دولة إسلامية استقرت في أوروبا أكثر من خمسة قرون.
وامتدت جحافل الصليبيين في غارات محمومة إلى المشرق الإسلامي على صورة غزوات متتابعة تحاول القضاء على الدولة الإسلامية في الشام وفلسطين ومصر، ولولا أن قيض الله للدولة الإسلامية قادة لا يخشون في الله لومة لائم يجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم ويعملون على عزة الإسلام والمسلمين لأصيب المشرق العربي بما أصيبت به الأندلس الإسلامية.
وإذا كانت الحروب الصليبية قد شغلت المشرق العربي ومصر بعد كائنة الأندلس فإن المتتبع لموجات الغارات الصليبية يهوله ذلك التخطيط والتوافق الذي يسود تلك الموجات، ويذكر بالخير أن الدولة الأيوبية في الوطن العربي قد تحملت عبء رد الصليبيين عن سواحل الدولة الإسلامية وثغورها، وأن الدولة المملوكية أيضا كانت لها بطولات في محاربة الصليبيين، واستطاعت أن تجليهم عن مواطن احتفظوا بها إبان الدولة الأيوبية.
بل إن ملوكهم في أخريات دولتهم فرضوا سلطانهم على جزر البحر الأبيض التي كانت تمثل قواعد لانطلاق أساطيلهم الحربية إلى السواحل الإسلامية، ونعلم أن السلطان الأشرف برسباي قد استولى على جزيرة قبرص وأسر ملكها جنيوس، وفرض الجزية على ملك رودس، ولم يقبل شفاعة سلاطين تركيا فيه، وامتدت هيبته إلى السواحل الأوروبية.
لقد اتجه التخطيط الصليبي إلى مهاجمة الدولة الإسلامية من البحر المتوسط، ومن جنوب شرقي مصر برا من الحبشة، ومثلت الحبشة دورا متلاحقا في ذلك، وخاصة بعد أن تهاوت الغزوات الصليبية القوية في حوض البحر الأبيض المتوسط، فراحت الحبشة كلما استبدت بها النزعة الصليبية تعتدي على جيرانها المسلمين، تقتل الرجال وتسبي النساء والذراري، وتفعل من الفعائل ما لا يتصوره عقل.
ولولا أن من دونوا التاريخ الأفريقي أعمتهم العصبية فلم يعرضوا الحوادث عرضا محايدا؛ لأنهم لم يخرجوا عن كونهم دعاة مسيحية في أي صورة من صورها، هذا