الشام. وحمله مع ذلك مشافهات، فخرج التبريزي هذا من بلاد الحطي بكتابه وبما حمله من المشافهات لملوك الفرنج بعزم واجتهاد، وسلك في مسيره من بلاد الحبشة البرية حتى صار من وراء الواحات إلى بلاد المغرب وركب منها البحر إلى بلاد الفرنج، وأوصل إليهم كتاب الحطي وما معه من المشافهات، ودعاهم للقيام مع الحطي في إزالة الإسلام وأهله واستحثهم في ذلك. فأجابه غالبهم وأنعموا عليه بأشياء كثيرة فاستعمل بتلك البلاد عدة ثياب مخملة مذهبة باسم الحطي، ورقمها بالصلبان - فإنه شعارهم.
ويعلق ابن تغري بردي على ذلك فيقول: لولا أنه داخلهم في كفرهم وشاركهم في مأكلهم ومشربهم ما طابت نفوسهم لإظهار أسرارهم عليه، وكانوا يقولون هذا رجل مسلم يمكن أن يتجسس أخبارنا وينقلها للمسلمين ليكونوا منا على حذر، وربما أمسكوه وقتلوه بالكلية.
ثم يعود إلى مواصلة الحديث فيقول: ثم خرج من بلاد الفرنج وسار في البحر حتى وصل إلى الإسكندرية ومعه الثياب المذكورة ورهبان من رهبان الحبشة، وكان له عدة عبيد وفيهم رجل دين، فنم عليه بما فعله ودلهم على ما معه من القماش وغيره، فأحيط بمركبه وبجميع ما فيها فوجدوا بها ما قاله العبد المذكور فحمل هو والرهبان وجميع ما معه إلى القاهرة، فسعى بمال كبير في إبقاء مهجته، وساعده في ذلك من يتهم في دينه، فلم يقبل السلطان ذلك وأمر به فحبس ثم قتل - عليه من الله ما يستحقه.
وبرغم ما كان لملوك الحبشة من قوة وسلطان يضمن لهم النصر دائما على جيرانهم المسلمين؛ إلا أن بعض سلاطين المسلمين المتاخمين للحبشة لم يقفوا سلبيين أمام غارات الأحباش، فتحرك بعضهم للثأر، ويقول المقريزي في أخبار سنة ٨٣٨ هـ: فأرسل ملك المسلمين شهاب الدين أحمد بدلاي بن سعد الدين أخاه خير الدين لقتال أمحرة الكفرة، ففتح عدة بلاد من بلاد الحطي ملك الحبشة، وقتل أميرين من أمرائه وحرق البلاد، وغنم مالا عظيما وأكثر من القتل في أمحرة النصارى، وخرب لهم ست كنائس، ثم أنزل الله بالحبشة الوباء العظيم فمات فيه عدد لا