للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لقد كان محمد بن مسلمة موضع ثقة عثمان كما كان موضع ثقة أبي بكر الصديق وعمر الفاروق رضي الله عنهم جميعا من قبله، كما كان موضع ثقة النبي صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم الكاملة فانتدبه عثمان إلى أخطر الثغور الإسلامية: الكوفة، لينقل إليه آلام الناس وآمالهم، فما وجد ابن مسلمة ولا وجد غيره من الموفدين ما كان يذيعه المغرضون، بل وجدوا الأمور تدعو إلى الاطمئنان.

وخرج أهل مصر وأهل الكوفة وأهل البصرة وأظهروا أنهم يريدون الحج، فلما كانوا من المدينة على ثلاث تقدموا إلى معسكرات قريبة من المدينة، ثم اقتحموا المدينة، فلما جاءت الجمعة التي على أثر دخولهم المدينة، خرج عثمان فصلى بالناس، ثم قام على المنبر فقال: " يا هؤلاء! الله الله! فوالله إن أهل المدينة ليعلمون أنكم ملعونون على لسان محمد صلى الله عليه وسلم، فامحوا الخطأ بالصواب "، فقام محمد بن مسلمة فقال: " أنا أشهد بذلك ".

وثار القوم بأجمعهم، فحصبوا الناس حتى أخرجوهم من المسجد، وحصبوا عثمان حتى صرع على المنبر مغشيا عليه، فأدخل داره (١).

واستنجد عثمان بعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما، فأمر الناس بالركوب إلى معسكر أهل الفتنة الذين يريدون قتل عثمان إن لم ينزع عما يكرهون، فركب معه من المهاجرين والأنصار ثلاثون رجلا، فأتوا المصريين وكلموهم، وكان الذي يكلمهم علي ومحمد بن مسلمة، فسمعوا مقالتهما ورجعوا إلى مصر، فقال قائد المصريين (٢) لمحمد بن مسلمة: " أتوصينا بحاجة؟ "، قال: " نعم، تتقي الله، ترد من قبلك عن إمامهم، فإنه قد وعدنا أن يرجع وينزع ". فقال: " أفعل إن شاء الله " (٣).


(١) الطبري (٤/ ٣٥٢ - ٣٥٣) وابن الأثير (٣/ ١٦٠ - ١٦١).
(٢) هو عبد الرحمن بن عديس البكوي.
(٣) الطبري (٤/ ٣٥٩ - ٣٦٠) وابن الأثير (٣/ ١٦٢ - ١٦٣).