للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عن المثل الإسلامية وتعاليم الدين الحنيف، وخوفا من الفتنة التي تمزق صفوف المسلمين ومنعا لانتشارها المدمر، وقد حدث ما توقعه محمد بن مسلمة وتوقعه أمثاله من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم المتسمين ببعد النظر والإيمان العميق.

ومن المؤكد أن موقف محمد بن مسلمة المسئول تجاه عثمان موقف ثابت مسئول لو كان الخليفة المعتدى عليه غير عثمان، فهو موقف مبدئي لا شك فيه وليس موقفا مصلحيا يتبدل بتبدل الظروف والأحوال.

وأخذت الفتنة تستشري، فكانت وقعة " الجمل " بين الإمام علي بن أبي طالب وبين المعارضين لخلافته، فقتل يومئذ من المسلمين عشرة آلاف، وكان ذلك سنة ست وثلاثين للهجرة (١) (٦٥٦) م.

ثم كانت معركة " صفين " بين علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان، قتل فيها من الفريقين ستون ألفا من المسلمين (٢).

وهكذا تساقط المسلمون بسيوفهم، وتوقف الفتح الإسلامي نهائيا، وطمع الروم باستعادة ما فتحه المسلمون من بلادهم، فأصبح الطالب مطلوبا والمنتصر مهزوما.

وما كان أمام محمد بن مسلمة إلا اعتزال الفتنة، فلم يكن مع الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ولكنه لم يكن عليه، واعتزل معه جماعة من كبار الصحابة منهم سعد بن أبي وقاص وأسامة بن زيد وعبد الله بن عمر بن الخطاب وغيرهم، (٣) فكانوا ممن اعتزل الحروب بالجمل وصفين ونحو ذلك (٤).

واعتزل محمد بن مسلمة بالربذة (٥) في البادية عن المدينة وأهلها الذين فرقتهم الفتنة أيضا قال ضبيعة بن حصين الثعلبي: " كنا جلوسا مع حذيفة بن اليمان فقال: " إني لأعلم رجلا لا تنقصه الفتنة شيئا، فقلنا: من هو؟ فقال: محمد بن مسلمة


(١) العبر (١/ ٣٧).
(٢) العبر (١/ ٢٨).
(٣) أسد الغاية (٤/ ٣٣١) والاستيعاب (٣/ ١٣٧٧).
(٤) البداية والنهاية (٨/ ٢٧).
(٥) البداية والنهاية (٨/ ٢٧).