للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وعرف البشر في وجهه وقال: بهذا أموت» ذكره الترمذي. وقال أنس: «كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يدخر شيئا لغد (١)» وهذا كثير. وهكذا كان الصحابة. وقد علمت ما جاء في تفسير قوله تعالى: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا} (٢) وما جاء في الصحيح في قوله {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} (٣) وما روي عن عائشة وهو مذكور في باب الأسباب من كتاب الأحكام عند الكلام على مسألة العول على إسقاط الحظوظ وهو ضربان: إيثار بالملك من المال وبالزوجة بفراقها لتحل للمؤثر كما في حديث المؤاخاة المذكور في الصحيح، وإيثار بالنفس كما في الصحيح: «أن أبا طلحة ترس على النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد وكان النبي صلى الله عليه وسلم يتطلع ليرى القوم فيقول له أبو طلحة: لا تشرف يا رسول الله يصيبك سهم من سهام القوم نحري دون نحرك، ووقى بيده رسول الله صلى الله عليه وسلم فشلت (٤)» وهو معلوم من فعله عليه الصلاة والسلام إذ كان في غزوة أقرب الناس إلى العدو، ولقد «فزع أهل المدينة ليلة فانطلق ناس قبل الصوت فتلقاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعا قد سبقهم إلى الصوت وقد استبرأ الخبر على فرس لأبي طلحة عري والسيف في عنقه وهو يقول لن تراعوا (٥)» وهذا فعل من آثر بنفسه، وحديث علي بن أبي طالب في مبيته على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ عزم الكفار على قتله مشهور وفي المثل الشائع: والجود بالنفس أقصى غاية الجود. ومن الصوفية من يعرف المحبة بأنها الإيثار، ويدل على ذلك قول امرأة العزيز في يوسف عليه السلام {أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ} (٦)


(١) سنن الترمذي الزهد (٢٣٦٢).
(٢) سورة الإنسان الآية ٨
(٣) سورة الحشر الآية ٩
(٤) صحيح البخاري المناقب (٣٨١١)، صحيح مسلم الجهاد والسير (١٨١١).
(٥) صحيح البخاري الجهاد والسير (٢٩٠٨)، صحيح مسلم الفضائل (٢٣٠٧)، سنن الترمذي الجهاد (١٦٨٧)، سنن أبو داود الأدب (٤٩٨٨)، سنن ابن ماجه الجهاد (٢٧٧٢)، مسند أحمد بن حنبل (٣/ ١٤٧).
(٦) سورة يوسف الآية ٥١