للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لا يفعل حتى يأخذ عليه شيئا من الحطام.

الثاني: - وإن كان الدافع للمال من صاحبه لينال به خلاف ما شرعه الله إن كان مبطلا فذلك أقبح، لأنه مدفوع في مقابلة أمر محظور، فهو أشد تحريما من المال المدفوع للبغي في مقابلة الزنا بها، لأن الرشوة يتوصل بها إلى أكل مال الغير الموجب لإحراج صدره والإضرار به بخلاف المدفوع للبغي. فالتوسل به إلى شيء محرم وهو الزنا لكنه مستلذ للفاعل والمفعول به. وهو أيضا ذنب بين العبد وربه. وهو أسمح الغرماء ليس بين العاصي وبين المغفرة إلا التوبة ما بينه وبين الله، وبين الأمرين فرق بعيد. ثم ساق الأدلة على تحريم الرشوة (١).

ثم قال الشوكاني: وقال أبو وائل شقيق بن سلمة أحد التابعين: القاضي إذا أخذ الهدية فقد أكل السحت، وإذا أخذ الرشوة بلغت به الكفر. رواه ابن أبي شيبة، بإسناد صحيح وقال: ويدل على المنع من قبول هدية من استعان بها على دفع مظلمته ما أخرجه أبو داود عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم: «من شفع لأخيه شفاعة فأهدي له عليها فقد أتى بابا عظيما من أبواب الربا (٢)» وفي إسناده مقال.

ثم قال الشوكاني: فليحذر الحاكم المتحفظ لدينه المستعد للوقوف بين يدي ربه من قبول هدايا من أهدى إليه بعد توليته القضاء فإن للإحسان تأثيرا في طبع الإنسان، والقلوب مجبولة على حب من أحسن إليها، فربما مالت نفسه إلى المهدي إليه ميلا يؤثر الميل عن الحق عند عروض المخاصمة بين المهدي وبين غيره والقاضي لا يشعر بذلك ويظهر أنه لم يخرج عن الصواب بسبب ما قد زرعه الإحسان في قلبه. والرشوة


(١) نيل الأوطار للشوكاني ص٢٧٨ جـ٨.
(٢) سنن أبو داود البيوع (٣٥٤١)، مسند أحمد بن حنبل (٥/ ٢٦١).