للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ابن حجر: وقد حمله بعضهم على ظاهره، فحكى القاضي عياض عن بعض العلماء جواز صرف الزكاة في المصالح العامة، واستدل بهذا الحديث وغيره. قلت: وقد تقدم شيء من ذلك في كتاب الزكاة، وفي الكلام على حديث أبي لاس قال «حملنا النبي - صلى الله عليه وسلم - على إبل الصدقة في الحج (١)». وعلى هذا فالمراد بالعندية كونها تحت أمره وحكمه، وللاحتراز من جعل ديته على اليهود أو غيرهم. قال القرطبي في " المفهم ": فعل - صلى الله عليه وسلم - ذلك على مقتضى كرمه وحسن سياسته وجلبا للمصلحة ودرءا للمفسدة على سبيل التأليف ولا سيما عند تعذر الوصول إلى استيفاء الحق. اهـ (٢).

وذكر النووي في معرض شرحه حديث القسامة قال: وقال الإمام أبو إسحاق المروزي من أصحابنا يجوز صرفها من إبل الزكاة لهذا الحديث فأخذ بظاهره. اهـ (٣).

ورأى حبر هذه الأمة عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنه يجوز الإعتاق من الزكاة، ففي صحيح البخاري تحت: باب قول الله تعالى: {وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ} (٤) ويذكر ابن عباس - رضي الله عنهما - يعتق من زكاة ماله ويعطى في الحج. وقال الحسن إن اشترى أباه من الزكاة جاز ويعطى في المجاهدين والذي لم يحج، ثم تلا: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} (٥) الآية في أيها أعطيت أجزأت. قال ابن حجر: ووصله أبو عبيد في كتاب الأموال من طريق حسان بن أبي الأشرس عن مجاهد عنه أنه كان لا يرى بأسا أن يعطى الرجل من زكاة ماله في الحج وأن يعتق منه الرقبة.

وأخرج عن أبي بكر بن عياش عن الأعمش عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس قال: أعتق من زكاة مالك. اهـ (٦).

تعبير النبي - صلى الله عليه وسلم - بمن التبعيضية في حديث أم معقل في قوله: فإن الحج في سبيل الله يشعر أن سبيل الله الوارد في آية مصارف الزكاة على عمومه وأنه يتناول مجموعة من الأمور وأن الحج منها. وبمثل تعبيره - صلى الله عليه وسلم - عبر ابن عمر فقال عن الحج: أما إنه من سبيل الله.

وقد أجيب عن القول بعموم اللفظ بأجوبة، منها ما ذكره المباركفوري حيث قال:

وأما القول الثالث فهو أبعد الأقوال؛ لأنه لا دليل عليه من كتاب ولا من سنة صحيحة أو سقيمة ولا من إجماع ولا من رأي صحابي ولا من قياس صحيح أو فاسد بل هو مخالف للحديث


(١) مسند أحمد بن حنبل (٤/ ٢٢١).
(٢) فتح الباري جـ ١٢ ص ٢٣٥ المطبعة السلفية.
(٣) شرح صحيح مسلم ج١١ ص ١٤٧
(٤) سورة التوبة الآية ٦٠
(٥) سورة التوبة الآية ٦٠
(٦) فتح الباري جـ ٣ ص ٣٣١ المطبعة السلفية.