اللحية واضح، وتنفيذه واجب إلى قيام الساعة، سواء وفر الكفار لحاهم أم حلقوها، وموافقتهم لنا في شيء من شرعنا كإعفاء اللحية لا يقتضي أن نخالف شرعنا، كما أن دخولهم في الإسلام أمر واجب عليهم ومحبوب لنا، ونحن مأمورون بدعوتهم إلى ذلك، ولا يقتضي ذلك خروجنا من الإسلام إذا دخلوا فيه حتى نخالفهم بل علينا أن ندعوهم إلى دين الله، وألا نتشبه بهم فيما خالفوا فيه شرع الله، وهذا أمر معلوم عند جميع أهل العلم.
وهذه الجرأة من الكاتب في حمل الحديث الشريف على وجوب حلقها؛ لأن المشركين وغيرهم تركوا حلقها جرأة شنيعة في نشر الباطل والدعوة إليه، ثم هي مخالفة للواقع، فليس كل الكفار وفروا لحاهم بل فيهم من يعفيها وفيهم من يحلقها، ولو فرضنا أنهم كلهم أعفوها لم يجز لنا أن نخالف أمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - فنحلقها لمخالفتهم، وهذا لا يقوله من له أدنى علم وبصيرة بشرع الله عز وجل، ويلزم عليه لوازم باطلة ومنكرات كثيرة، وأما ما ذكره عن شيوخ الأزهر من كونهم حلقوا لحاهم لما رأوا بعض الكفار قد أعفاها، فهذا لو سلمنا صحته لا حجة فيه؛ فإن مخالفة بعض المسلمين لما شرعه الله لا يحتج بها على ترك الشرع المطهر في مسائل كثيرة، إما لجهل الدليل وإما لأسباب أخرى، ولا يجوز أن يكون حجة في جواز مخالفة ما علم من الشرع؛ لكونهم لم يأخذوا به، بل غاية ما هناك أن يعتذر عنهم بأن الشرع لم يبلغهم، أو بلغهم من وجه لم يثبت لديهم أو لأعذار أخرى، كما بسط ذلك الإمام العلامة شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - في كتابه الجليل (رفع الملام عن الأئمة الأعلام). وقد أجاد فيه وأفاد وأوضح أعذار أهل العلم فيما خالفوا من الشرع، فليراجع؛ فإنه مفيد جدا لطالب الحق.
وإني أنصح الكاتب (حمد) بأن يتقي الله، ويحذر من لمز الملتحين وسوء الظن بهم، كما أنصحه بأن يحسن الظن بجميع إخوانه المسلمين الذين يحرصون على تطبيق الشريعة، ويتتبعون سنة الرسول -صلى الله عليه وسلم- ويتأسون به في أقواله وأعماله، وأن يحملهم على أحسن المحامل عملا بقول الله - عز وجل - في سورة الحجرات:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}(١)