للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

العدو بالجهاد، وكل من قدر الله الدافع والمدفوع، ويقال لمورد هذا السؤال: هذا يوجب عليك أن لا تباشر سببا من الأسباب التي تجلب بها منفعة أو تدفع بها مضرة؛ لأن المنفعة والمضرة إن قدرتا لم يكن بد من وقوعهما، وإن لم تقدرا لم يكن سبيل إلى وقوعهما، وفي ذلك خراب الدين والدنيا وفساد العالم، وهذا لا يقوله إلا دافع للحق معاند له، فيذكر القدر؛ ليدفع حجة المحق عليه كالمشركين الذين قالوا: {لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا} (١) والذين قالوا: {لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلَا آبَاؤُنَا} (٢) فهذا قالوه؛ دفعا لحجة الله عليهم بالرسل، وجواب هذا السائل أن يقال: بقي قسم ثالث لم تذكره، وهو أن الله قدر كذا وكذا بهذا السبب، فإن أتيت بالسبب حصل المسبب وإلا فلا، فإن قال: إن كان قدر لي السبب فعلته، وإن لم يقدره لي لم أتمكن من فعله. قيل له: فهل تقبل الاحتجاج من عبدك وولدك وأجيرك إذا احتج به عليك فيما أمرته به ونهيته عنه فخالفك، فإن قبلته فلا تلم من عصاك وأخذ مالك وضربك وقذف عرضك وضيق حقوقك، وإن لم تقبله فكيف يكون مقبولا منك في دفع حقوق الله عليك.

وقال أبو إسحاق الشاطبي رحمه الله (٣):

ولنقدم قبل الشروع في المطلوب (مقدمة كلامية) مسلمة في هذا الموضع:

وهي أن وضع الشرائع إنما هو لمصالح العباد في العاجل والآجل معا، وهذه دعوى لا بد من إقامة البرهان عليها صحة أو فسادا. وليس هذا موضع ذلك. وقد وقع الخلاف فيها في علم الكلام، وزعم الرازي أن أحكام الله ليست معللة بعلة البتة، كما أن أفعاله كذلك، وأن المعتزلة اتفقت على أن أحكامه تعالى معللة برعاية مصالح العباد، وأنه اختيار أكثر الفقهاء المتأخرين. ولما اضطر في


(١) سورة الأنعام الآية ١٤٨
(٢) سورة النحل الآية ٣٥
(٣) ج٢ ص٦ - ٧.