حتى لا تضل القرون وتهلك الأمة في متاهات الحيرة والتشكك.
وقد جنت الأمة بعد الجيل الأول من ثمار هذه التربية خيرا كثيرا بما هيئ لهم من فرض الاجتهاد وترك تنزيل الأحكام على الحوادث رهنا باجتهاد ذوي الاجتهاد في كل بلد بما يناسب الحال في إطار الشريعة الإسلامية السمحة فيما لا نص فيه من كتاب أو سنة.
الأمر الثاني من الأمرين الهامين:
أن الصحابة تركوا افتراض المسائل وتقدير أحكامها فيما لم يقع بينهم، إدراكا منهم لما يأتي:
١ - أن الأمة لا يزال فيها من يفتيها في أمور دينها قياما بأمر الله الذي وعد الرسول صلى الله عليه وسلم بأن هذه الأمة لا يزال فيها من يقوم به حتى تقوم الساعة.
٢ - أن الاجتهاد ليس حكرا عليهم دون الأجيال.
وخوفا من الوقوع في المأثم المترتب على الخطأ في الرأي الذي يقررونه لجيل غير جيلهم، وكأنه حكم معصوم بالوحي، والحكم المعصوم بالوحي انتهى بما تقرر بالنص في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم مما أراد تعالى أن تكون الأمة عليه في أمر معاشها ومعادها. وليس من حق أحد بعده أن يقرر هذا التقرير.
ولقد رأينا سلامة هذا المسلك من الصحابة - رضي الله عنهم - بعد أن اشتغل الفقهاء بتلك الأمور من الفرضيات التي كان كثير منها أقرب إلى اللهو ومضعية الوقت منه إلى الجد والمحافظة على الأوقات، مع ما أثارت من تبلد في أذهان الذين ورثوا هذه الكتب المشحونة بها إلى أن وصل الفقه بين المسلمين إلى حد ليس بعده إلا الموت، وقل في الأمة من يقال عنه إنه مجتهد مطلق أو قريب منه منذ قرون.
وفي وقتنا الحاضر لا أعلم من يطلق عليه هذا اللقب مع شديد الأسف، وإنما يوجد أفراد جد قلائل يمكن أن يطلق على بعضهم مجتهد مذهب.
فرضي الله عن صحابة محمد صلى الله عليه وسلم الذين اختارهم لحمل الأمانة إلى الأجيال، فسلموها إليها صافية المنهل طيبة المجتنى.