علومه على أيدي تلامذة المعلم الأول صلى الله عليه وسلم فتدفق الناس على الصحابة كل في بلده ومدينته يستفتونهم ويروون عنهم مسموعاتهم من النبي - صلى الله عليه وسلم - ويتعلمون منهم العلم.
ومن المسلم به أن الصحابة لم يكونوا في المحفوظ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا في الفهم سواء، كما أن الأمصار المفتوحة لم تكن متفقة عاداتها ولا أعرافها ولا نظمها الاجتماعية والاقتصادية، ولا طرقها في العيش والتعامل، فإذا انضاف إلى هذه الاعتبارات بعد الشقة بين عاصمة الخلافة والبلدان المفتوحة وصعوبة الاتصالات بين العلماء والصحابة في شتى هذه المدن والأمصار؛ ليستفيد بعضهم من بعض؛ فإنه من السهل أن ندرك أن ذلك سينتج عنه اختلاف الاجتهادات والفتاوى الفقهية في المسألة الواحدة بين المسائل الكثيرة، وأن كل أهل قطر سيتمسكون بفتاوى علمائهم وأحاديثهم ويعولون على ما جرى عليه عملهم، وحكم به قضاتهم لمبلغ ثقتهم بهم وخبرتهم بأحوالهم وسيرتهم، فكان للمصريين فتاوى وللشاميين أخرى ولليمنيين وسائر المدن غيرها وكان بعد ذلك أن شعر التابعون بأن في الأمصار الأخرى علما غير علمهم، فأكثروا من الرحلة وعملوا على توثيق الروابط العلمية بين الأمصار، فكان لذلك أثر لا ينكر في تقليل وجود الخلاف السبب الثالث: ظهور الوضع في الحديث:
وهذا السبب كان له الأثر السيئ في عرقلة تقدم الاجتهاد الفقهي وفي صعوبة مهمة الفقيه.
فلقد كان للإسلام أعداؤه المتربصون بأهله الدوائر من اليهود وغيرهم ممن تغلب عليهم المسلمون بقوة الإسلام وسلطانه، وربما ساعدهم على هذا الوهم كون المسلمين يعتمدون على حفظهم في الصدور ما يروونه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من سنته القولية أو الفعلية أو التقريرية طيلة بعثته في الثلاث والعشرين سنة، فما عليهم إلا أن يختلقوا من الأقاويل التي تخدم مآربهم ما