للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الطور الثالث للاجتهاد الفقهي من أول القرن الثاني إلى الآن

أ- الربط بين هذا الدور والذي قبله:

ظل الصحابة رضي الله عنهم بعد أن لحق الرسول صلى الله عليه وسلم بالرفيق الأعلى ملتزمين المنهج الذي تركهم عليه هذا النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم - في الفتوى والقضاء والإجابة عن الأسئلة التي كانت تعرض إليهم، حتى كان واقعهم رضي الله عنهم بمثابة العرض الأمين لما كان عليه الحال في عهد المصطفى صلى الله عليه وسلم سواء في ذلك ما يتصل بشئون العباد في حياتهم اليومية على وجه يزيل الحرج ويضمن المصلحة التي جاء بها هذا الدين.

ولقد اتسعت الدولة وامتد الفتح وتعددت الأفعال وتنوعت التصرفات، ومع ذلك فقد كان الصحابة رضي الله عنهم إذا عرضت الوقائع عليهم أفتوا فيها بمعاني النصوص، وبمقتضى الإشارات والإيماءات والاقتضاءات والضرورات، وبطريق القياس والاستحسان والمصالح وسد الذرائع، والأخذ بالقرائن والاهتداء بالأمارات، وبما وقر في نفوسهم من الثقة بالمروي، وبما شرطه أحدهم في الحديث من شروط؛ خوفا من الكذب والغلط على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبما جاء مخصصا أو مقيدا أو مفسرا، وقد انعكست هذه الطرق على الكيفيات والصور، وغطت الاجتهادات أفعال الناس بالأحكام.

وهكذا استمد العلم بالمعاني اللغوية والعربية والمعاني الشرعية المفهومة من الرسول صلى الله عليه وسلم والمعلومة من النصوص في قلوب التابعين بعد الصحابة، فامتلأت هذه القلوب بعلم الاجتهاد، وبقي اللسان العربي سليما فصيحا يفهم المعاني، وتقدم الحقيقة على التجوز ودلالة النص على الفهم بالرأي، والمحكم والمفسر على المحتمل الظاهر.