وقد عمل هؤلاء الفقهاء وغيرهم على تمحيص ما عرض عليهم، فأقروا بعضه وعدلوا بعضه، وأنكروا بعضه على ضوء ما عندهم من علم شرعي، حتى غدت الحياة العامة في كل إقليم ومصر مصطبغة بالصبغة الإسلامية.
ومما ساعد على تقريب وجهات النظر بين المجتهدين في هذا العصر أن كل قطر من الأقطار المفتوحة وجدت فيه أحكام لم تكن موجودة في غيره؛ نظرا لاختلاف البيئات والفوارق الإقليمية، فلقد أحس العلماء في كل إقليم بحاجتهم إلى التعرف على ما في الإقليم الآخر من اجتهادات فقهية، فنشأت الرحلات العلمية، فالشافعي رحل إلى المدينة والعراق ومصر. وربيعة الرأي رحل إلى العراق، ورحل محمد بن الحسن الشيباني صاحب أبي حنيفة إلى المدينة، ورحل أحمد بن حنبل إلى الحجاز وإلى اليمن، فآتت هذه الرحلات ثمراتها في إزالة كثير من أوجه الخلاف، وأشعرت كلا بحاجته إلى ما عند غيره من العلم والفقه.